أ.د.حمدي القبيلات
استاذ القانون الاداري بكلية الحقوق / جامعة الاسراء
بات من المؤكد أن هناك مشروع قانون ضريبة دخل جديداً سيمر بقنواته الدستورية عقب انتهاء عطلة العيد وعودة مجلس النواب للانعقاد في دورته العادية.
والملفت للنظر في مشروع هذا القانون أنه لم يتعامل مع الضريبة كأداة موجهة للاقتصاد وانما تعامل معها كأداة جباية وفقا للمبدأ البالي "خزانة الدولة جيوب رعاياها " "، ليحمل الطبقات المعدمة اعباء فوق اعباء كانت وما زالت تنوء بحملها ، وهذا يؤكد فشل وعقم السياسات الاقتصادية التي تنتهجها حكوماتنا المتعاقبة، ويثبت أنها لا تعرف من الحلول الا ابسطها وان كان أكثرها ضررا وخطرا على الامن والسلم المجتمعي وربما على الاقتصاد الوطني ذاته، فليس من الصعب على اي كان أن يرفع نسبة او سعر الضريبة ليزيد حصيلتها، فلا يحتاج ذلك لخبراء او اقتصاديين ندفع لهم مبالغ طائلة ليقدموا لنا حلولا بالية ، فما لهذا اوفدناهم للدراسة على حساب الشعب في اعرق الجامعات العالمية المرموقة - حسب وجهة نظرهم - ، ولا لهذا قلدناهم ارفع المناصب عند عودتهم ، ودفعنا لهم اضعاف مضاعفة مما يتقاضاه من يفوقكم علما وعملا، كنا نأمل أن نجد منهم الحلول الناجعة لمشاكل استفحلت ودمرت اقتصادنا ولكننا لم نجد منهم الا ما يثقل كاهل المواطن والوطن. فلم تكن الضريبة يوما من الايام الا اداة توجيه للاقتصاد وذات اهداف اجتماعية وسياسية واقتصادية ، اما ان تصبح سيفا مصلتاً على رقاب الطبقة المعدمة فهذا لم نجده الا في سياسات حكوماتنا المتعاقبة، الم يخطر ببالهم ان مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد يطال من هم على مشارف وربما دون خط الفقر، رغم ان القوانين الضريبية يعاد النظر بها بين فترة واخرى لتواكب الدورة الاقتصادية وتراعي المتغيرات الاجتماعية ، فكيف تزداد الاسعار الضريبية وتقلل الاعفاءات في الوقت الذي تتآكل فيه الدخول وينحدر فيه الكثيرون نحو خط الفقر ، ومن اساسيات علم الضريبة ان يتم التمييز في المعاملة الضريبية بين الدخول بحسب طبيعتها، فيرتفع مقدار الضريبة اذا كان مصدر الدخل رأس المال فقط كالشركات والتجارة عموما، ويقل مقدار الضريبة اذا كان مصدر الدخل الجهد الشخصي كالوظيفة او العمل لدى الغير، فتحصيل الضريبة من الرواتب والاجور يتم بالاقتطاع من المنبع لذلك يستحيل التهرب منها، وهذا ما اغرى الحكومة بالتمادي في فرض الضرائب على هذه الفئة، وذلك بعكس المصادر الاخرى التي يسهل التهرب فيها من الضريبة، ولكنها السياسة الاقتصادية المعهودة المتمثلة باللجوء للحلول السهلة بصرف النظر عن كارثية الاثار والنتائج..
وقد لمسنا ذلك مرارا في قانون الضمان الاجتماعي فكلما دقت الدراسات الاكتوارية ناقوس الخطر بخصوص مستقبل الضمان الاجتماعي وتآكل موجوداته ، تم التوجه لزيادة الاشتراكات وتحميل المواطن تبعات الفشل بدلا من البحث عن حلول استثمارية توازي حجم موجودات والتزامات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي.
والخلاصة ان بقينا على هذا الحال فلا دولة انقذنا من الافلاس ولا مواطن حمينا من الفقر.