لا يزال الإقتصاد الأمريكي يمر بضبابية بسبب الحرب الروسية–الأوكرانية, والأثر السابق لجائحة كورونا وإنعكاساتهما على أسعار الطاقة والغذاء والسلع والخدمات والتي ظهر أثرها على التضخم, حيث قام الفيدرالي الأمريكي باجتماعه الأخير برئاسة جيروم باول برفع سعر الفائدة على الدولار ب25 نقطة أساس لتصبح الفائدة على الدولار 5.5 % بعد 11 رفعة على الدولار, مع إشارته إلى أنها لن تكون الأخيرة هذا العام.
فالرقم المستهدف لكبح جماح التضخم وهو 2% مستبعد الوصول إليه خلال العام القادم 2024, وما زاد الأمر سوءاً هو انخفاض التصنيف الإئتماني الأخير للولايات المتحدة من AAA إلى AA+ حسب تصنيف وكالة FITCH, إضافة إلى أن وكالة STANDARD &POOR’S قد خفضت التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة عام 2011 إلى AA+ ولم تغيّر تصنيفها لغاية الآن, ولم تبق إلا وكالة MOODY’S حيث لا تزال تحتفظ بتصنيف AAA للولايات المتحدة.
لقد خرجت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين على الإعلام باستنكارها هذا التخفيض الأخير, وذكرت أن أرقامها تشير إلى التحسن في مؤشرات الإقتصاد الأمريكي خلال الفترة السابقة من تدني أعداد البطالة وتراجع التضخم, واتهامها للحزب الجمهوري وخاصة الرئيس السابق ترامب بالضغط على وكالات التصنيف وتغيير معايرها لإثبات التراجع في الإقتصاد الأمريكي, فالتصريحات الغير صحيحة والضغوطات من قبل الحزبين الديمقراطي الحاكم والجمهوري الذي يريد الفوز بالإنتخابات القادمة ما هو إلا دعايات انتخابية لكسب مزيد من التأييد للمواطنين في الولاي?ت المتحدة, وخصوصاً أن الرئيس الحالي بايدن أعلن نفسه مرشحاً للإنتخابات القادمة.
بعد هذه المقدمات سنبدأ بالتحليل المعمق من خلال عرض الأرقام والشواهد التي ستقيّم الإقتصاد الأمريكي أقلها لنهاية عام 2023, إن أحد أسباب التصنيف المتراجع للإقتصاد الأمريكي كان سببه ارتفاع المديونية المتزايد ومشكلة سقف الدين الأمريكي والوصول إليه مبكراً خلال الأول من حزيران الماضي وهو 31.4 ترليون دولار, واستنفذت الخزانة الأمريكية ما لديها من سيولة, ودُقَ ناقوس الخطر لرفع سقف الدين لتتمكن الولايات المتحدة من الوفاء بديونها والصرف على مشاريعها, وقد مر ذلك بفترة مخاض كادت تجهض الإقتصاد الأمريكي, إلا أنه وفي الساع?ت الأخيرة تم إنقاذه ليرى النور مجدداً, لكن لغاية الآن لا يزال الدين الأمريكي يتزايد حيث وصل اليوم إلى 32.6 ترليون دولار, بزيادة قدرها 1.2 ترليون دولار خلال 70 يوماً, لتصبح نسبة الدين 128% من الناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ 25.5 ترليون دولار, ومن أسباب إرتفاع هذه النسبة هو زيادة أسعار الطاقة ودعم الحرب الروسية–الأوكرانية, وخدمة الديون الأمريكية المرتفعة حيث دفعت الولايات المتحدة العام الماضي قرابة نصف ترليون خدمة ديون على السندات.
إضافة إلى تعثر أحد البنوك الأمريكية وهو بنك السيليكون فاليSVB خلال شهر آذار الماضي وما تبعه من تخوفات أن تمتد العدوى لبقية البنوك الأمريكية وتنهار الأسواق والسندات والأسهم لولا تدراك الأمر, وتم شراؤه من قبل First Citizens Bank خشية تكرار ما حصل عام 2008 عندما إنهار الإقتصاد العالمي وكلف العالم خسارة وقتها تقارب 1.5 ترليون دولار, وقد قامت وكالة MOODY’S هذا الإسبوع أيضاً بتخفيض تصنيفات إئتمانية ل10 بنوك أمريكية ووضع بنوك أخرى تحت المراجعة مما أثر على معنويات المصارف في الولايات المتحدة.
هذا بالنسبة للمؤشرات داخل الولايات المتحدة, أما المؤشرات الخارجية فهي الأسوء والأكثر تعقيداً, بدءاً من تخلص الدول من أذونات أو سندات الخزانة الأمريكية وخاصة الصين والتي تبقى لديها قرابة 850 مليار دولار وكذلك عدم سيطرة الولايات المتحدة على أسعار النفط العالمية لتخدم إقتصادها, إضافة إلى أن الحرب الروسية–الأوكرانية التي كانت نتائجها بعكس التوقع, وخصوصاً أن العقوبات الإقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا وإستمرارية الحرب دون تحقيق النتائج على الأرض من قبل الأوكرانيين بعد إستنزاف الولايات المتحدة أكث? من 300 مليار دولار, وأخيراً تمدد مجموعة بريكس والخشية من صك عملة جديدة ستؤثر على الدولار وتنهي تعاملات البترودولار والتي إمتدت لخمسة عقود, وفقدان السيطرة الإقتصادية على الحلفاء مثل الدول الإفريقية وبعض الدول العربية, تلك الدول التي تمد الولايات المتحدة بالمواد الخام والثروات النفطية والمعدنية, وتكون في المقابل سوق إستهلاكية للمنتجات الأمريكية من سلع غذائية وسلع إستهلاكية وشراء سلاح وشراء خدمات أمن وحماية وشراء الأجهزة والمركبات وغير ذلك, إضافة إلى كل ما سبق أضيف بأن التوترات السياسية والعسكرية مع الصين, أ?رت على أكبر سوق تجاري للولايات المتحدة مع الصين, وما صرح به الرئيس الأمريكي مؤخراً من منع الشركات الأمريكية من الإستثمار في الصين في سابقة هي الأولى من نوعها.
إن الإنخفاض في التصنيف الإئتماني للولايات المتحدة وخاصة أنه متوقع أن يكون هناك تخفيضاً آخر في المرحلة القادمة, سيؤثر على مصداقية الإقتصاد الأمريكي وإهتزاز للسندات الأمريكية التي تستحوذها الدول الأخرى, وإرتفاع خدمة الدين وإقراض الولايات المتحدة مما يؤدي إلى مزيد من الديون وعدم تحقيق النمو, وبالتالي عدم السيطرة على التضخم ووقوعها في الركود الإقتصادي مع نهاية هذا العام, على الرغم من بعض بيانات التضخم الإيجابية التي صدرت عن شهر تموز الماضي, والتي قد تُعطي إشارات إيجابية لإجتماع الفيدرالي الشهر القادم للنظر في ?فع الفائدة على الدولار.
الراي