إن اهتزاز ثقة المواطن في الحكومات السابقة هو نتيجة لضعف الخبرات والإجراءات واتباع منهجيات وسياسات وإستراتيجيات مشوهة ومجتزأة أثرت على الأداء بشكل عام, وما زاد الأمر سوءاً ازدياد الصعوبات في الأوضاع الإقتصادية من تآكل الدخول وإزدياد نسبة الفقر والبطالة لدخول متغيرات عالمية وإقليمية عمقت من هذه الظواهر وأثرت على زيادة المديونية وساهمت في ارتفاع خدمة الدين وانخفاض نسب النمو السنوي, إضافة إلى ضعف أداء بعض الحكومات السابقة من الناحية الإقتصادية, مما ألقت بظلالها على نظرة المواطن للمسؤول بشكل خاص وللحكومة بشكل عام, وتقييمها ونعتها بالتقصير بغض النظر عن أي إنجاز تقدمه, لا وبل ابتعد آخرون بتفكيرهم حيث أنكروا بعض الحقائق من الإنجازات التي تحققت في هذا البلد عبر المئوية الأولى, وأصبحوا ينظرون بالنظرة السوداوية للقادم.
للبدء بإعادة الثقة للمواطن نحتاج إلى سلسلة من الروافع والإجراءات والمراجعات في السياسات والإستراتيجيات والمنهجيات للحكومات القادمة وسنتطرق لبعض منها باختصار:
1) اختيار الكفاءات من الوزراء ورؤساء مجالس إدارة الهيئات والإمناء العامين والمدراء بعيداً عن المحسوبية, وعدم تدوير المسؤولين في المناصب, فمن فشل في إدارة وزارته أو مؤسسته أو هيئته, حتماً سيفشل في إدارة موقعه الجديد, وأن لا يتم التركيز على فئة معينة ليس لديها ما تقدمه عند تشكيل اللجان أو بتبوأ المناصب الحكومية, وأن يتم تأهيل القيادات التأهيل الصحيح لإكتساب المهارات القيادية والفنية التي تحاكي التطور التكنولوجي المتسارع وما يلبي طموحات المواطن.
2) اختيار فريقاً إقتصادياً قادراً على التعامل مع المرحلة القادمة لكثرة المتغيرات وصعوبة التحديات فيها, لجلب الإستثمارات والمشاريع الكبرى, وهيكلة الضرائب لتتناسب مع دخل المواطن وخصوصاً التي تُفرض على السلع والخدمات, ودعم الصناعات المحلية من خلال دعم مدخلات الإنتاج وتوفير مصادر الطاقة لتخدم هذا القطاع بالأسعار المنافسة عالمياً, وتوطين الصناعات الرئيسية, والتركيز على الزراعة التي تستخدم التكنولوجيا, وإنشاء محكمة إقتصادية مختصصة لسرعة التقاضي في هذا المجال, ودعم الرياديين والكفاءآت والإبتكارات لأن دعمهم وتطويرهم سيصب في صالح الإقتصاد الوطني بقيمة مضاعفة, وتعديل المناهج في المدارس والجامعات لتواكب التحول الرقمي والتكنولوجيا الجديدة وسرعة التحول الرقمي لمكافحة الفساد المالي والإداري وإنجاز الخدمات بالسرعة والنوعية والجودة المطلوبة, وإدخال التطبيقات التكنولوجية الحديثة في كافة المجالات من ذكاء إصطناعي ومدن ذكية وغيرها, وإعداد بنية تحتية رقمية تخدم قطاعات التعليم والصحة والسياحة والخدمات الأخرى, ومراجعة فاتورة المستوردات السنوية, والشراكة الحقيقية مع القطاع الخاص وخلق وتمكين البيئة المناسبة لتحفيز التشغيل لديه, وفتح أسواق إقليمية وعالمية جديدة للمنتجات المحلية, والتنوع في دعم المشاريع الصغيرة الخاصة بالمحافظات مع مراعاة خصوصية كل محافظة، والسيطرة على الأسواق المحلية في ظل التداعيات الإقتصادية العالمية ومنع الإحتكار, والبناء على ما تم إنجازه من خطط إقتصادية كرؤيا التحديث الإقتصادي, ومحاولة تحسين التصنيفات العالمية والمؤشرات للإقتصاد والتكنولوجيا والبنية التحتية للإتصالات والتحول الرقمي الحكومي.
3) بناء قاعدة بيانات صحيحة تحتوي على الدراسات والإحصائيات والأرقام الصحيحة ليتم الرجوع إليها مستقبلاً في الخطط والإجراءات وتشخيص وحلول المشاكل, ومن حق المواطن الحصول على المعلومة الصحيحة التي لا تشوبها شائبة في الزمان والمكان المناسبين, بما يتعلق بالأحداث السياسية والأمنية والإجراءات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية.
4) الشفافية التامة في معالجة المشاكل وعدم تجميل الحلول ومكاشفة المواطن بوضع الحلول والبدائل الأنسب والأفضل دون التأجيل حتى لا تتفاقم المشاكل وتتراكم, مع تفعيل دور الإعلام بشقيه الرقمي والتقليدي ليكون الرديف الحقيقي لتسليط الضوء على جميع الإنجازات والإخفاقات ويكون حلقة الوصل بين المواطن والحكومة من حيث المشاركة في وضع الحلول والبدائل للمشاكل, وتعظيم الإنجازات والنجاحات والبناء عليها بالتعاون مع القطاع الخاص, وتفعيل الناطق الإعلامي الحكومي وأن يكون هناك أكثر من شخص حسب الإختصاص في الشؤون السياسية, الإقتصادية, التكنولوجية, الثقافية, التعليمية, الصحية والأمنية.
5) التغذية الراجعة الصحيحة من الشارع بطريقة محوسبة للخدمات والمشاكل والبرامج الحكومية بطريقتين: الأولى, من خلال مراكز دراسات وإحصاءات تجول المملكة وتصل إلى كافة فئات المجتمع. الثانية, قيام المسؤول بالنزول إلى الشارع بشكل دوري والتحقق من المشاكل وتلمس احتياجات المواطن كل حسب اختصاصه.
6) الاستماع إلى شكاوي المواطنين ومقابلتهم حيث تعكس إنطباعاً نفسياً إيجابياً لديهم, وأن يضع المسؤول نفسه مكان المواطن عند عرض مشكلته عليه لإيجاد الحلول المنطقية التي تناسبه, وعمل آلية محوسبة أكثر نجاعة لإيصال صوت المواطن للمسؤول من أجل تقديم أفضل الخدمات له وحل مشاكله, لتحقيق الأمن الإجتماعي والعدالة بين الجميع, مع تكافؤ الفرص في التوظيف, إضافة إلى سماع أفكار وآراء وخطط ومبادرات المفكرين والخبراء من أبناء الوطن والتواصل معهم وخصوصاً من لهم قصص نجاحات عالمية.
7) إطلاق شعار: «وقت المواطن وسرعة الإنجاز أهمية قصوى بالنسبة لنا»، وهذا يتحقق من خلال سهولة مرور معاملات المواطن بشكل عمودي وأفقي داخل الوزراة الواحدة وبين الوزارات من خلال المديريات والأقسام ذات العلاقة, وربط الخدمات ذات الإختصاص فنياً بنافذة واحدة رقمياً, ومنح الصلاحيات الكاملة للمرؤوسين في الأمور الروتينية والمنطقية والجرأة في إتخاذ القرار غير المجتزأ.
8) وضع خطط إستراتيجية تتعامل مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية ما يتعلق في ملفات الطاقة والمياه والتعليم والصحة والنقل والغذاء والدواء والسكن والمناخ والتنمية المستدامة وبقية الخدمات, لثبات اتخاذ القرارات الصحيحة ليتطابق الواقع مع الوعود والتصريحات, وإنشاء هيئة للإستراتيجيات العليا.
9) التكامل بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية ليقوموا بدور أفضل, وإضافة سلطة رابعة هي الرقابية والمحاسبة تراقب على السلطات الثلاثة وتكون مستقلة بالكامل ويتبع لها ديوان المحاسبة وهيئة مكافحة الفساد, وإعداد برامج ودورات تأهيلية وتوعوية للإدارة والقيادة بكفاءة وفاعلية مع الحفاظ على المال العام وحوكمة الأداء الحكومي, ومحاسبة المسؤولين المقصرين أثناء قيامهم بعملهم وإنهاء خدمات من يثبت عليه التقصير, مع وجود برلمانات قوية مشكلة من أحزاب لها برامج اقتصادية والقيام بالعملية التشريعية التي تلبي طموح المواطن, وليست برلمانات خدمات كل يخدم أبناء دائرته الإنتخابية.
10) إعطاء دور للشباب والمراة في المرحلة القادمة كونهم يشكلون الأغلبية الساحقة في المجتمع, وإيلاء الشباب الدعم المطلوب لإدراكهم أبعاد التقدم التكنولوجي والتحول الرقمي العالمي المتسارع وتاثيره على مجريات الحياة اليومية.
في الختام, ما ذكرت بعض من سلسلة إجراءات تُبنى على أُسس وقواعد صحيحة يتم البناء عليها, لزيادة ثقة المواطن بالحكومات القادمة, فلا يجوز ربط الأداء بالأشخاص بل بالمؤسسات, فكل ذلك سيقلل من مساحة الشائعات في الفضاء الرقمي الذي لا يرحم أحداً, ومن شأنه إحباط المواطن وفقد ثقته بالمسؤولين, إضافة إلى تحمل الأحزاب مسؤوليتهم للمرحلة القادمة بإيجاد برامج سياسية وإقتصادية وإجتماعية وثقافية قابلة للتطبيق على أرض الواقع, بمنهجية علمية قادرة على إحتواء التحديات والمتغيرات المحلية والإقليمية والدولية لحل المشاكل, والسير كذلك بخطى سريعة لتطبيق الإصلاحات السياسية والإدارية والاقتصادية التي يشرف عليها جلالة الملك ويتابعها سمو ولي العهد.