ترقب العالم الأسابيع الماضية الهجوم المعاكس الذي شنته القوات الأوكرانية على القوات الروسية بمساعدة الغرب, لاسترداد الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها روسيا, وحسب الإحصائيات فقد شنت القوات الأوكرانية 263 هجوماً على مختلف الجبهات, لكن ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية بأن هذا الهجوم سيكون بطيئاً وسيستمر لفترة طويلة غير محددة, أما وسائل الإعلام الروسية فقد ذكرت بأنها قد أفشلت هذا الهجوم, لا بل استولت على أسلحة غربية كان الأوكرانيون يستخدمونها في الهجوم, خلال ذلك تعرضت القيادة الروسية لاختبار حقيقي حبس أنفاس ا?عالم لمدة 24 ساعة كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية داخل روسيا وفتح جبهه داخلية أقلها تؤدي إلى خسارة الحرب الأوكرانية وتقسيم الأراضي الروسية, وذلك عندما انقلب قائد قوات مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين السند الرئيسي للجيش الروسي على القيادة الروسية, ولولا حكمة الكرملين وعلى رأسها الرئيس الروسي بوتين ولولا تمسك الشعب الروسي بقيادته ووساطة رئيس بيلاروسيا لوكاشينكو لوقع ما لا تحمد عقباه.
بعد سرد للأحداث الميدانية العسكرية لهذه الحرب التي غيرت كثيراً من المفاهيم السياسية والإقتصادية والعسكرية العالمية, دعونا نبدأ في التحليل السياسي والعسكري والأبعاد الإقتصادية الأخرى, إن القيام بهجوم معاكس أوكراني على دفاعات روسية محصنة ومنطقة فاصلة بين الطرفين مزروعة بالألغام وبدون غطاء جوي أوكراني حتماً سيفشل, لكن ما المغزى من هذا الهجوم؟ هل هو الفرصة الأخيرة للأوكرانيين, ليتم بعدها إبلاغهم من قبل الغرب بوقف المساعدات والدعم العسكري لهم حيث أنه لا توجد أي جدوى من هذا الدعم لعدم تحقيق أي نتائج على الأرض, و?صوصاً الضائقة المالية التي تواجه أوروبا وكذلك الولايات المتحدة, فلم يتبقى من الدعم المالي حتى شهر أيلول القادم حوالي 15 مليار دولار بعد زيادة إضافية بمقدار 6 مليار، وهل نحن على أعتاب الدخول بمفاوضات طويلة الأمد؟ أم سنواجه تصعيداً خطيراً وخصوصاً أننا رأينا إستهداف أوكراني بالصواريخ للجسور التي تربط خيرسون بجزيرة القرم, وهذا من شأنه أن يصعد الحرب وخصوصاً أن هذه الصواريخ حصلت عليها أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا, مما يجعل المواجهه بين روسيا والغرب حتمية, وهل سيستغل بوتين فشل هذا الهجوم للتخطيط لهج?م جديد لكسب مزيد من الأراضي الأوكرانية ليتم التفاوض عليها مستقبلاً بسقف مرتفع؟
إن الغرب ينظر الآن إلى الحرب الروسية الأوكرانية كمعضلة تورط فيها وخصوصاً بأنه لم يحقق أي نتائج عسكرية أو سياسية أو إقتصادية, لا بل أثرت على اقتصاده بشكل مباشر, بعد فقدان مفاتيح الهيمنة الإقتصادية العالمية والنفطية واتخذت منحى آخر لصالح دول عظمى أخرى تنافسه اقتصاديا وهي الصين, ولا يزال الغرب ينظر بعين على الحرب والعين الأخرى على بريكس, حينما يرى حلفاءه السابقين يرتمون بأحضان البريكس, فإن ما يقوم به الغرب الآن من محاولة لترميم العلاقات الإقتصادية قد تأخر, من خلال عقد مؤتمر لإعادة إعمار أوكرانيا في محاولة إرس?ل إشارة لتقريب إنهاء الحرب وحشد اقتصادات حلفائه لتقديم تمويل إعادة الإعمار, وكذلك قام الغرب بالإيعاز لعقد مؤتمر الأمم المتحدة في باريس تحت عنوان: «من أجل ميثاق مالي عالمي جديد", الذي حضره قادة 50 دولة ومعظمهم من الدول التي تفكر جدياً بالإنضمام لبريكس تلك الدول التي اكتوت بهيمنة القطب الواحد, لا بل صرح أمين عام الأمم المتحدة حين قال:"النظام المالي العالمي بات غير عادل", أين كانت الأمم المتحدة عندما غرقت دول العالم الثالث بالديون واستقوى عليها المدينون وسيسوا ديونها بضغوطات سياسية عليهم لتحقيق أهدافهم؟ وتتب?كون الآن على الفقر والمناخ, فأنتم من افقرتم شعوب العالم بحروبكم المفتعلة وأثرتم على المناخ كل ذلك لصالح سماسرة السلاح والنفط, فالدين العالمي وصل الآن إلى 305 ترليون دولار, أي اكثر من 300% من الناتج المحلي العالمي وهي كارثة على جميع الدول, فهل يعقل أن 99% من ثروات العالم يملكها أقل من 1% من السكان، في حين يملك 99% من السكان في العالم 1% من الثروات العالمية؟.
فالغرب يدرك أن هناك اجتماعاً هاماً لقادة بريكس في شهر آب القادم هذا القطب الآخر الذي تعول عليه معظم دول العالم, وما سيتمخض عن هذا الإجتماع من انضمام دول جديدة له, والسياسات الإقتصادية الجديدة التي سيتم الإعلان عنها من إنشاء بنك جديد لتمويل اقتصادات الدول الأعضاء في بريكس, وكذلك التبادلات التجارية والنفطية بعملات دول أعضاء البريكس وطريقة دفع جديدة ناهيك عن صك عملة جديدة خاصة بهم.
إذن أصبح هناك خيار أمام دول العالم الثالث والدول ذات الإقتصادات الناشئة لما يحقق طموحات شعوبهم والدخول في مرحلة جديدة لبناء أسس سليمة لإقتصاد عالمي جديد مبني على التشاركية والتكافؤ والإحترام المتبادل بين الدول.