أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات جامعات وفيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية الموقف شهادة مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

لهذه الأسباب سيبقى الاقتصاد الأميركي الأقوى في العقد القادم


م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا

لهذه الأسباب سيبقى الاقتصاد الأميركي الأقوى في العقد القادم

م. مهند عباس حدادين
م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ
نتيجة للظروف العالمية التي شهدها العالم من جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية, وانعكاساتها على الإقتصاد العالمي من إرتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية وتعطل لسلاسل الإمداد, دفع بالدول العظمى إلى التفكير جدياً بمستقبل إقتصادها وخصوصاً الدولة المتربعة على الإقتصاد العالمي وهي الولايات المتحدة, وسأحلل في هذه المقالة باستراتيجية عميقة كيف يمكن للولايات المتحدة البقاء في مركزها الأول اقتصادياً, حتى لو تم ولادة أقطاب عالمية جديدة وظهور تحالفات جديدة قد تؤثر عليها وعلى دولارها, لأننا نعلم أن الدولة ذات الاقتص?د الأقوى هي التي ستُهيمن على الاقتصاد العالمي.
قبل الحرب الروسية – الأوكرانية كان هناك تسارعاً كبيراً لنمو الإقتصاد الصيني وزيادة استثماراته العالمية ومبادلاته التجارية مع دول العالم وخصوصاً مع الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي, حيث يميل الميزان التجاري دائماً لصالح الصين, وكذلك الأمر بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي حيث برز الإقتصاد الألماني بقوة صناعاته التي لا تُنافَس وحيث أن بريطانيا قبل انفصالها عن الاتحاد الأوروبي كانت تلي ألمانيا بقوة اقتصادها, لذلك فإن المنافسين الوحيدين للإقتصاد الأمريكي هما الصين وأوروبا.
إن التخطيط الإستراتيجي يجب أن يكون عابراً للحكومات وهذا ما تفتقر له دول العالم الثالث, فالأمن الشامل لأي دولة يجب أن يتضمن المحافظة على إقتصادها قوياً, لقد بدأ الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الحزب الجمهوري بتنفيذ السياسات التي خطط لها المخططون الإستراتيجيون في الولايات المتحدة لدعم إقتصادهم وازدهاره وذلك بالتضييق على الصين في تجارتها العالمية, بمحاولة تغيير الموازين التجارية مع العالم من خلال فرض ضرائب إضافية ومنع التكنولوجيا عن الصين من خلال البدء بنقل أكبر مصنع للتكنولوجيا TSMC في العالم الذي يصّ?ع 64% من أفضل الرقاقات في العالم لأنها أصغر حجماً بخمسة أضعاف من الرقاقة الصينية, وذلك بنقله من تايوان بعيداً عن الصين إلى ولاية أريزونا في الولايات المتحدة حيث أن جميع مخططات وتصاميم التصنيع بالكامل هي أمريكية, فالولايات المتحدة ستمنع هذه التصاميم والتقنيات عن الصين, حيث تصل تقنية التصنيع أقل من 5 نانو مما يمّكن جميع صناعات الولايات المتحدة من التفوق على أية صناعات في العالم, وقد شاهدنا مؤخراً محاولة الولايات المتحدة من إدراج 36 شركة تكنولوجية صينية على القائمة السوداء ومن ضمنها أكبر شركة صينية لإنتاج الر?ائق الإلكترونية, لوضع ضغوط إقتصادية على الصين.
أما بالنسبة للإتحاد الأوروبي فقد شجعت الولايات المتحدة خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي لإضعاف إقتصاد الطرفين, وما أن تولى جو بايدن من الديمقراطيين رئاسة الولايات المتحدة, حتى إندلعت الحرب الروسية–الأوكرانية, تلك الحرب التي دفعت أوروبا خلالها ثمنها باهظاً ولا تزال تدفعه للآن, لأن أوروبا كانت مستفيدة من روسيا بتلبية إحتياجاتها من الطاقة (النفط والغاز) لإدارة عجلة إقتصادها من خلال صناعاتها المختلفة بأسعار تُمكِن هذه الصناعات والمنتجات من المنافسة عالمياً, فهذه الحرب استنزفت الإقتصاد الإوروبي خصوصاً بعد جائح? كورونا, فغرقت أوروبا بالحرب وذهبت أموال الأوروبيين لتمويل هذه الحرب ودعم المواطن الأوروبي من الغلاء الفاحش من أسعار الطاقة والسلع المختلفة, أما معظم المصانع فقد قللت من إنتاجها وأصبحت الكُلفة التصنيعية غير منافسة عالمياً, إضافة إلى عدم توفر بعض المواد الأولية والقلة في مصادر الطاقة مما حدا بالبعض الآخر على التفكير بالإغلاق أو الرحيل إلى جهة أخرى.
بدأ هذا جلياً عندما قامت الولايات المتحدة بالتحكم بأسعار الطاقة وخصوصاً الغاز المُباع لأوروبا بأسعار مرتفعة جداً, تقارب ثلاثة أضعاف الأسعار السابقة التي كانت تحصل عليها من روسيا قبل الحرب, مما شكل عبئاً كبيراً على جميع الصناعات الأوروبية, إضافة إلى التسهيلات الكبيرة التي بدأت الولايات المتحدة القيام بها لترويج منتجاتها من تفضيل في التسويق وغير ذلك, مما أغضب الأوروبيين, واجتمع على إثرها المستشار الألماني أولاف شولتس مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون, واتفقوا على أن يذهب الرئيس الفرنسي لمقابلة الرئيس الأمريك? لشرح تخوف الأوروبيين مما ستواجهه صناعاتهم من عدم المنافسة عالمياً نتيجة الحرب, ومن ضمن ما تم مناقشته السياسات الأمريكية الجديدة التي ستتبعها لإعطاء الأفضلية للصناعات الأمريكية على الأوروبية.
إن ما قامت به الولايات المتحدة سيفتح الباب على مصراعيه لانتقال الإستثمارات ومعظم الصناعات الأوروبية إليها بعيداً عن الحرب, وبعيداً عن ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا, إضافة إلى توفر المواد الأولية وتوفر مصادر الطاقة بأسعار منافسة, والإستقرار في السوق الأمريكي في الاستهلاك والتسويق.
لذلك بعد الإنتهاء من بناء أكبر مصنع للرقاقات في الولايات المتحدة وهجرة المصانع الأوروبية إليها, ستتمكن الولايات المتحدة من التحكم بجميع الصناعات العالمية الحديثة واحتكارها وخصوصاً دخول العالم للثورة الصناعية الخامسة في العقدين القادمين واستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي والروبوتات, فقد تُصّنِع كميرات مراقبة ذكية تعالج الأحداث بحجم قطعة نقدية, وطائرات مسيرة إستكشافية بحجم الدبور, في حين ستكون بقية الصناعات العالمية للكميرات تقليدية والطائرات المسيرة الإستكشافية بحجمها الحالي وبأقل فاعلية, وسيكون السلاح الأمري?ي أكثر تطوراً ودقة وتفوقاً مما يجعله أكثر مبيعاً في العالم, والحواسيب الأمريكية أصغر وأعلى سرعة في معالجة البيانات وذات سعة تخزين أكبر, وسيارات المستقبل ذاتية القيادة أكثر أماناً وميزات أفضل, والسيطرة المطلقة للولايات المتحدة على الفضاء, والتقدم الهائل في كافة مجالات الحياة, وهذا سيجعل الإقتصاد الأمريكي ينمو أكثر فأكثر, لأن الولايات المتحدة تعلم أن هناك أقطابا اقتصادية عالمية جديدة ستظهر, فالصراع هو صراع إقتصادي مدعوم بالتكنولوجيا النوعية, المُعززة بالبحث العلمي وإستقطاب المبدعين والرياديين التي عملت الولا?ات المتحدة الكثير من أجل استقطابهم, جميعهم يعملون لخدمة الولايات المتحدة لتتربع على قمة الإقتصاد العالمي لعقد قادم.
مدار الساعة (الرأي الأردنية) ـ