انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

الرومانسية الوطنية

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 09:50
مدار الساعة,الأردن,عمان,اقتصاد,

لا أظن أن هناك شعبا مسكونا بالحنين إلى الماضي والقلق من الأوضاع السائدة ويتباكى على المصلحة الوطنية مثلما يفعل الأردنيون. في المجالس العامة والخاصة وفي المحاضرات والرسائل والخطابات السياسية وفي مذكرات الساسة والمتقاعدين يجري الحديث عن الهوية الوطنية.
يسترسل الكثير منا في نقد الحكومات والنواب وصناع القرار. وما إن يحاول أحد أن يخرج عن صمت الجمهور محاولا أن يبدي وجهة نظر مغايرة حتى ينهال عليه البعض باتهامات التسحيج والنفاق السياسي والوصولية وغيرها من التهم. بعض الذي يرد على ألسنة النقاد له ما يبرره، لكن اليوم لا يشبه الأمس والدنيا لم تعد الدنيا.
الصبايا والشباب الذين انضموا إلى الجحافل المشتبكة مع الشأن العام يتحدثون اللغة نفسها ويرددون الكثير من الأقوال والشعارات التي أشك أنهم يعونها أو يستطيعون تفسيرها وبيان وجه الاختلاف بينها وبين الواقع. ما إن يبدأ الحديث عن الأردن ومشكلاته وتحدياته ومستقبله حتى يتحول الحوار إلى الحديث عن غياب رجالات بحجم وصفي التل وهزاع المجالي وسليمان النابلسي ومضر بدران، على الرغم من أن الكثير من المتحدثين ولدوا بعد رحيل بعض من هؤلاء الرجال بعقود.
لا يهم إن كنت بدويا أو شركسيا، من أصول شرق أو غرب أردنية، مسلما أو مسيحيا، امرأة أو رجلا ، أخا مسلما أو قوميا عربيا، فالكل يتحدث عن الماضي برومنسية عالية بدون تفكير وبدون شواهد.
قبل أيام استمعت إلى خطبة لأحد رجالات الحركة الإسلامية وقد أدهشني حجم الرومنسية الوطنية الواردة على لسانه، فقد ذكر وصفي التل وحابس المجالي أكثر مما ذكر عمر بن الخطاب وأبا بكر الصديق. وقد دفعني المشهد إلى التفكير عميقا في حالة الفصام السياسي التي نعيشها.
أعلم جيدا أن السياسة في بلادنا مثل قيادة السيارات في عمان، فمن غير المستغرب أن يستدير السائق يمينا بعد أن يمضي خمس دقائق بإيهامك أنه متجه نحو اليسار، لكنني لم أفكر في يوم من الأيام أن أستمع لمرشح إخواني يتحدث بحماسة عن فضائل وصفي التل أو كفاءة إدارتنا في القرن العشرين.
في الانتخابات الأخيرة كانت حماسة المرشحين واللاعبين للمجالس البلدية أعلى بكثير من الحماسة التي أبداها الناخبون لمجالس المحافظات التي بقي غالبيتنا في حيرة حول طبيعتها وصلاحيات وأسلوب عملها. فقد ظهر الالتباس جليا في الإعلانات التي أعدتها الحكومة والهيئة المستقلة في محاولة للتذكير بأنها ليست برلمانات ولا تملك صلاحيات تنفيذية ولا رقابية لكنها تقر ما يقدم لها من استراتيجيات وخطط من قبل المجالس التنفيذية وتحدد أولويات المشاريع في مناطق اختصاصها.
في الأردن الذي يحرص على تمكين مكوناته العرقية والدينية والنسوية من المشاركة السياسية، هناك رغبة عميقة للسير قدما بخطى واسعة وجريئة تتجاوز الرتابة التي تحرص البيروقراطية المتجذرة على إقامتها والتذكير بها عند انطلاق كل مبادرة أو ظهور أي بادرة من بوادر التحول أو التغيير.
المخاوف التي يبديها المتنفذون من التغيير تلبس ثوب القلق على مصلحة الوطن ونعمة الاستقرار. كما أن لها ما يبررها إذا ما نظرنا إلى حجم الامتيازات والاحتكار والاستحواذ الذي تتمتع به هذه الطبقة التي تحرص على أن تكون حاضرة في الإدارة والسياسة والتجارة والإعلام بالدرجة التي تمكّنها من الحفاظ على مكتسباتها الاقتصادية والحصول على نصيبها من العطاءات والمال والمكانة والشهرة والنفوذ.
الماضي الذي ما نزال نتباكى عليه مزدحم بالفقر والجوع والمرض والتسلط والخوف وهيمنة الأجهزة الأمنية واستعداء الأغنياء للفقراء وضيق ذات اليد وقمع النساء وغياب وسائل التواصل والجهل بما يدور خارج الحدود وانعدام الحس بحقوق الآخرين في الكرامة والمساواة والعدل وربما بفساد لا نعرف عنه.
الرومنسية الوطنية تعبّر عن الإحباط وعدم الرضا والتباين بين الطموحات والواقع، لكن الصورة التي نرسمها للماضي لا تعكس بالضرورة حقيقة الواقع بمقدار ما تعبر عن الصورة الرومنسية التي أنتجها خيالنا الوطني.

الغد

مدار الساعة: وكالة اخبارية مساحتها الكلمة الصادقة
مدار الساعة ـ نشر في 2017/08/20 الساعة 09:50