مدار الساعة - رد الوزير السابق الدكتور نوفان العجارمة على رد الدكتور غازي ذنيبات رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب ردا على مقال العجارمة المنشور حول عدم دستورية النص المعدل في النظام الداخلي لمجلس النواب بجزئه المتعلق (بإقرار الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للمجلس وتحديد كادرها الوظيفي على أن يتم مراجعته وتقييمه، ولا يعتمد أي تغيير على الهيكل الإداري إلا من خلال لجنة تشكل لهذه الغاية من قبل المكتب الدائم).
وتاليا رد العجارمة على رد الذنيبات:
قول على قول:
ردا على ما كتبة سعادة الزميل الدكتور غازي ذنيبات المحترمرئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب.
لقد طالعت ما كتبة سعادة الزميل الفاضل المحامي الدكتور غازي ذنيبات رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب ردا على مقالي المنشور حول عدم دستورية النص المعدل في النظام الداخلي لمجلس النواب بجزئه المتعلق (بإقرار الهيكل التنظيمي للأمانة العامة للمجلس وتحديد كادرها الوظيفي على أن يتم مراجعته وتقييمه، ولا يعتمد أي تغيير على الهيكل الإداري إلا من خلال لجنة تشكل لهذه الغاية من قبل المكتب الدائم).
أود القول ابتداءً ان الصراحة في إبداء الرأي بما فيه وجه المصلحة العامة مطلوبة، حتى لا تضيع تلك المصلحة في تلافيف المصانعة والرياء وتتلاشى بعوامل الجبن والاستحياء، ولا يضير أي مواطن كحالتي – قبل ان أكون مسؤول سابق- أن تكون له وجهة نظر معينة في مسألة يدافع عنها ويجتهد في إقناع الآخرين للأخذ بها ما دام نفعل ذلك بحسن نية في سبيل المصلحة العامة، ولا جناح علينا أن نختلف مع غيرنا في وجهات النظر بعيداً عن الشطط في الاختلاف، إذ الحقيقة دائماً وليدة اختلاف الرأي، لا يجلبها إلا قرع الحجة بالحجة والبرهان بالبرهان، فالفكرة النبيلة تحتاج الإحساس قبل الفهم.
لقد افاض الزميل بالحديث مدافعاً عن هذا التعديل وقد اظهر دفاعه بكل جلاء مقدار العوار الدستوري الذي لحق بهذا التعديل، وما ذهب إليه الزميل هو حجة عليه وليست له موضحاً ما يلي:
اولاً: يقول الزميل الفاضل ان النص المعدل موجود فعلا بالنظام الحالي (أي التعديل لم يأت بجديد) وإذا كان الامر كذلك لماذا أقدم المجلس على هذا التعديل؟ هل يعقل ان يقضي المجلس وقته في نقاش عدمي حول نص موجود ولا يضيف شيئاً في عالم القانون؟ ويناقش المجلس أمراً لا سبب موجب لتعديله؟ عندها نكون أمام لغو، ولا اعتقد ان مجلس النواب الموقر يلغوا في هذه النقطة من التعديل، بل وضع نصُ يهدف إلى تحقيق أغراض معينة، مع العلم ان قدم النص لا يعصمه من الوقوع في شبه عدم الدستورية طالما وضع هذا النص بعد نافذ الدستور الحالي لسنة 1952.
ثانياً: أحياناً ثمة مسافة ما بين ما يقصده المتحدث ويفهمه المتلقي، لذلك انا لم اقل ان رئيس مجلس النواب لا صلاحية إدارية له، بل أوضحت ان رئيس مجلس النواب يمارس صلاحيات الوزير المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية بالنسبة لموظفي الأمانة العامة ابتداءً وانتهاءً ، من التعيين وحتى انتهاء الخدمة وهذا النص موجود في نظام الخدمة المدنية والنص أيضا موجود في النظام الداخلي لمجلس النواب، ولا تثريب عليه من هذه الناحية. وما ذكره الزميل بهذا الخصوص هو خارج السياق.
ثالثاً: ان المادة (83) من الدستور والتي اعطت لكل من المجلسين (الاعيان والنواب) الحق بأن يضع انظمة داخلية لضبط وتنظيم إجراءاتها فقط، دون غيرها من أحكام موضوعية، على ان تعرض تلك الأنظمة على جلالة الملك للتصديق عليها. والحكم الذي تناوله النص المقترح هو حكم موضوعي ليس من قبيل ضبط وتنظيم إجراءات المجلس التي أجازت المادة (83) إصدار نظام بشأنها، ويكون النص المعدل- والحالة هذه- قد أورد حكماً ليس له سند من الدستور، وانما اورد قيداً على صلاحيات مجلس الوزراء المنصوص عليها في المادة (120) من الدستور، وبهذا افتى المجلس العالي لتفسير الدستور بموجب قراره رقم (1) لسنة 2001.
رابعاً: يقول الزميل الفاضل (( لا يحتاج دكتورنا العزيز للتذكير أن إقرار الهيكل التنظيمي لأي جهاز من أجهزة الدولة التشريعية القضائية، التنفيذية هو عمل تنظيمي تستقل به الدائرة او الجهاز او الادارة ذاتها، انطلاقا من أن اهل مكة ادرى بشعاب مكة، فهم الأدرى بحاجاتهم ومتطلبات عملهم، وبعد إقرار هذا التنظيم الهيكلي لدوائرهم يتم عرضه على ديوان الخدمة المدنية لاعتماده رسميا، وتحديد المراكز القانونية على ضوء هذا التنظيم الإداري العام وما يتبعه من مراكز وظيفية وحقوق مالية، ومزايا وظيفية، وحقوق تقاعدي وغيرها...)) و يستطرا قائلا ( فمن سيعطي هؤلاء الموظفين حقوقهم وامتيازاتهم إذا لم يكن التنظيم الإداري قد أقر واعتمد من قبل الجهة التي تملك ذلك وهي السلطة التنفيذية!!! .) وهذه مغالطة كبيرة ومحرجة ايضاً وللأسباب التالية:
1. ان الهيكل التنظيمي لدوائر الدولة بسلطاتها الثلاث، يتم بموجب نظام وفقا لأحكام المادة (120) من الدستور ولا تستقل به الدوائر منفردة، حيث يتم وضع نظام للتنظيم الإداري بموجب نظام يصدر عن مجلس الوزراء بموجب تلك المادة، ويوجد حاليا حوالي (89) نظام تنظيم إداري نافذ، منها أنظمة التنظيم الإداري لكل من: رئاسة الوزراء والمحكمة الدستورية والأمانة العامة للمجلس القضائي وديوان المحاسبة وهيئة النزاهة ومكافحة الفساد و دائرة قاضي القضاة غيرها من الدوائر .
2. ان تحديد المراكز القانونية للموظفين (حقوقاً وواجبات) وما يتبعها من مراكز وظيفية وحقوق مالية، لا يتم بموجب الهيكل التنظيمي بل بموجب نظام الخدمة المدنية وقوانين التقاعد، فالهيكل التنظيمي هو وصفي اجرائي ولا يتناول أحكام موضوعية مطلقا. ولا أدل على ذلك من ان كافة موظفي الامانة العامة يتقاضون حالياً كافة حقوقهم المالية ويتمتعون بمزايا الوظيفية منذ لحظة تعيينهم ومنذ عشرات السنين ولم يتوقف هذا الامر على إقرار الهيكل التنظيمي او نظام التنظيم الإداري؟؟؟ والسبب في ذلك وبكل بساطة، بانه يوجد فراغ أو نقص تشريعي يسعى النص المعدل لتلافيه؟؟ وهذه حجة على التعديل وليست له.
3. الهيكل التنظيمي هو جزء من نظام التنظيم الإداري ويتم إقراره بموجب نظام يصدر عن مجلس الوزراء ولا علاقة لديوان الخدمة المدنية به.
خامساً: يقول الزميل الفاضل (ان قانون الموازنة العامة أعطى لرئيس مجلس النواب صلاحيات رئيس الوزراء فيما يتعلق بالأمور المالية والإدارية والقانون كما يعلم معاليه أعلى مرتبة من النظام..) وهذه مغالطة أكبر ما سابقتها ومحاولة اقحامها بالدفاع عن التعديل أكثر حرجاً للأسباب التالية:
1. هذه الصلاحية تتحدث عن الصرف والإنفاق من الموازنة المقرة من قبل مجلس الأمة، فرئيس مجلس النواب هو آمر الصرف حسب الأنظمة والقوانين التي رتبت هذا الانفاق، وبالتالي لا تصلح هذه المادة سنداً للأنفاق بشكل مجرد عن أي نص قانوني يعطي الحق بهذا الصرف، فهذه المادة تعطي الحق بصرف الرواتب مثلا، لكن لا تعطي رئيس مجلس النواب صلاحية التعيين بشكل مستقل عن نظام الخدمة المدنية.
2. لقد سبق للديوان الخاص بتفسير القوانين و بموجب قراره رقم (2) لسنة 2016 وإن فسر المادة من (12) من قانون الموازنة العامة للسنة المالية 2016 ( وهو ذات النص الوارد في القانون الحالي) حيث أفتى بان ( عبارة أو أي تشريع آخر الواردة في المادة (12) من قانون الموازنة العامة تعني تفويض الصلاحيات الواردة في التشريعات ذات العلاقة بالموازنة العامة لمجلسي الأعيان والنواب إيراداتها ونفقاتها دون غيرها، ومن ثم فإن أي أمر يخرج عن موضوع الموازنة العامة لا يخضع لأحكام المادة (12) من قانون الموازنة العامة للسنة المالية رقم (3) لسنة 2016 ، بحيث تبقى صلاحيات مجلس الوزراء ورئيس الوزراء ووزير المالية المنصوص عليها في تلك التشريعات قائمة..)). أي صلاحية أنفاق مجرد من موازنة المجلس المقرة بموجب قانون الموازنة العامة ولا تشمل أي صلاحيات خارج هذا النطاق بما في ذلك المسائل المتعلقة بالموظفين.
3. اتفق مع الزميل الفضل بأن القانون أعلى مرتبة من النظام، لكن لا يتصور- قانوناً- وجود أي تعارض ما بين القانون والأنظمة المستقلة (التي تصدر سندا للدستور مباشرة كنظام الخدمة المدنية) وإذا كان ثمة تعارض فان أحدهما يكون غير دستوري، فلا تملك السلطة التشريعية ان تتناول أي من الموضوعات الواردة في المادة (120) من الدستور بموجب قانون، وإذا فعلت ذلك يكون القانون غير دستوري وبهذا افتى المجلس العالي لتفسير الدستور بموجب قراره رقم (1) لسنة 1965 حيث يقول ((.. بما ان الأمور المنصوص عليها في قانون الخدمة المدنية رقم (48) لسنة 1963 تدخل في نطاق المسائل الواردة في المادة (120) سالفة الذكر، فان تنظيمها يجب ان يتم بنظام تصدره السلطة التنفيذية استنادا لهذه المادة وبذلك يعتبر القانون المشار إليه مخالفا لأحكام الدستور وهذا لا يجعله غير قائم بل لا بد من الغائه بقانون جديد) لذلك لا يمكن فهم أي نص وارد في قانون الموازنة العامة بأنه يتناول أي من موضوعات الموظفين العموميين من حيث الحقوق والواجبات.
واخيراً، قال الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام بأن الرجوع عن الخطأ هو مخبر عن دين متين، واعتراف بالحق والعلم والفضل لأهله، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والتمادي في الباطل لم يزدد من الصواب إلا بُعدَ.