جيلٌ جديد يخوض التجربة؛ ليست جديدة عليهم ولكنها ذات انطلاقة جديدة، كون أن أسماءهم مسجلة للمرة الأولى في جداول الناخبين وسيصبح بإمكانهم التوجه الى مراكز الاقتراع للمشاركة في أهم أدوات الممارسة الديمقراطيّة وهي الانتخاب.
تأتي مشاركة هذه الشريحة في مناخات جديدة، لا تشبه سابقاتها، ذلك أن عجلة المشروع الإصلاحي بدأت بالدوران، وهي مدفوعة بزخمٍ يُرتجى منه أن يفضي في النهاية إلى أن يشعر كل ناخب بقيمة ما يدلي في الصندوق، وأن صوته الذي سيدلي به سيكون واحد من الخيارات التي تحدد حاضر وشكل حكومته.
وعليه، فالناخبون الجدد يبحثون حتماً عن مكان تحت الشمس، يبحثون أيضاً عن مكان لهم ليكونوا على طاولة الحوار، وتلك خطوة جديدة لها وقع خاص عليهم، كيف لا وهُم جيل يتحدث بلا حواجز، ويفكر الآن بشكلٍ مختلف، ويتطلّب كل ذلك أن ترتقي التيارات والقوى السياسية لمستوى طموحاتهم، مما يساعد الجهود الوطنية الهادفة إلى تشجيع المشاركة وتقديم طروحات تتناسب مع مرحلتهم العمرية، فالناخبون الجدد ومشاركتهم الفعّالة لا تعتبر قوة تصويتية كبيرة فحسب، بل سيكون لها بصمة في خارطة التصويت وترجيح كفّة من ينجح باستقطابهم، ومن الضروري اليوم الحديث عن أهمية دور الأُسرة في التشجيع والتحفيز على المشاركة بالاقتراع وضمان عدم عزوف الناخبين خصوصاً في هذه المرحلة العمرية التي تعتبر محطة البداية في مشاركاتهم السياسية.
فما هو المطلوب منهم ولهم؟
إننا اليوم ومن أجل أن نساعد في إنجاح مسار التحديث السياسي الذي يرتبط بالدعم الملكي والمتابعة الحثيثة التي بدأت بتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي خَلصت في أهم مخرجاتها لقانون الانتخاب الجديد الذي يأتي هدفه بشكل رئيسي توسيع قاعدة المشاركة السياسية جاهزة، وهكذا بدأت أولى الخطوات من أجل معالجة أهم المشاكل التي تعاني منها العملية السياسية برمّتها، وهي فجوة الثقة التي باتت تزداد أكثر فأكثر، حتى جعلت المشاركة الشعبية في أضعف حالاتها.
هنا يأتي إدراك الناخبين الجدد في أهمية مجلس النواب وارتباطه بالشأن العام وتأثيره عليهم وتحديداً بالفترات القادمة؛ فهو مطبخ التشريع والجهة التي تسنّ القوانين والتشريعات الناظمة لجيلهم الجديد، هذا الجيل الذي يستطيع قلب الطاولة بمشاركته الفعّالة على كل من لا يعمل بجدٍ واجتهاد، وهذه مشاركة أيضاً لجيل يستطيع إن شارك بقوة أن يرفع نسبة تمثيله بالبرلمان من خلال حصص المقاعد ونسبة التصويت وحصصها بالاقتراع.
إنّ جيل الشباب الذي نحن أمامه اليوم هو جيل مختلف بما وفرت له أدوات التواصل من مقدرة على المتابعة والإدارك، وليس كما مراحل مضت كانت فيها فضاءات العمل العام تقتصر على القلة، هناك اليوم فضاء مفتوح، وهذا أمر يضاعف المسؤولية.
واليوم، وعند الحديث عن المشاركة الفعّالة؛ فإن ذلك يتوازى مع الحديث عن تعزيز الوعي الانتخابي لدى الناخبين الجدد، وتكمن أهمية المناهج المدرسية والجامعية التي يجب أن تعمل على رفع السويّة السياسية للطلبة واهتمام المعلم المدرسي وأستاذ الجامعة بغرفته الصفية من خلال واجبات مدروسة وتدريبات متقدمة تمنح هذا الجيل ثقافة سياسية، وتعطيهم مساحة أوسع للتوعية والتثقيف، بالإضافة إلى عمل مؤسسات الدولة بجد واجتهاد للبدء بخطة وطنية باكراً؛ تُغطي كل ذلك سواء من خلال الذهاب لإعلام رقمي حديث يستهدف الشباب في لغة خطاب رفيعة وطرق كسب التأييد، كون أن صناديق الاقتراع هي التي ستقدم أوّل مرحلة من مخرجات القانون الجديد الذي يؤسس لمراحل ثلاث خلال خطة ومسار التحديث السياسي، ونجاح أول تجربة تكون بالمشاركة الفاعلة للجميع.
لا ينكر أحد اليوم بأن الشباب هم عنوان عريض في المشروع الاصلاحي، ولا ننكر أيضاً بأن جميع مكونات المشهد السياسي معنية بتخصيص مساحة وخطاب لهذه الشريحة، وفي صلبها من سيصوتون لأول مرة، ذلك أن هذه الفئة تختبر اليوم واقعها، وتبني مداركها السياسية، ما يؤسس لتجربة مهمة، داخل نفس تجربتنا الكبيرة، التي نقف على أعتابها اليوم.
نعلم بأن هؤلاء الناخبون يبحثون عن أنفسهم؛ لهذا باتوا القوة المجتمعية القادمة، وعلينا جميعاً مسؤولية وطنية في توجيههم وضمان فاعليتهم بالطريقة التي تمنح أردننا مزيداً من التقدّم والتحديث والاصلاح، وعلينا اليوم أن نخرج من ديباجات التلقين إلى خطوات فعّالة تضمن تعزيز مشاركة الشباب في صناعة القرار، وتأكيد خطواتهم بممارسات حقيقية تهدف لأن يكونوا مؤثرين في مجتمعاتهم لا أدوات وصول فقط، ولعل ما فعلته لجنة تمكين الشباب في اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كان حجر الأساس لضمان تمكين الشباب فعلاً لذلك تم وضعهم ضمن نطاق المنافسة، سعياً لأن يكونوا مؤثرين فعلاً في التنمية المستدامة للمجتمعات، ولا يكون ذلك إلا بضمان مشاركتهم الواسعة وبشكل فاعل ومؤثر لا لأن يكونوا فقط قوى تصويتية بلا أي تأثير، وهذا هو الرهان، فهل سننجح؟