ما إن يقترب حلول شهر رمضان الفضيل، حتّى تبدأ الأسطوانة الإعلاميّة بتكرار ذات المشهد في كلّ عام من عناوين رئيسة، غالبيّتها يتركّز حول الارتفاعات الجنونيّة في الأسعار، وتزايد الاحتكارات والهيمنة من قبل بعض المستوردين، وغيرها من مشاهد باتت “كلاشيهات” في عقول الكثير الّذين اعتادوا على تكرارها.
والحقيقة الّتي لا يحاول الكثير الوقوف عندها إمّا عن جهل أو عن قصد من قبل البعض من مثيري الإشاعات الّتي تهدف أوّلاً وأخيراً لتحقيق مصالح فئة معيّنة تحاول جاهدة العبث بالأمن المعيشيّ للمواطنين في هذه المناسبة الكريمة الّتي يفترض فيها السكينة والهدوء على سلوك الجميع.
القول بأنّ الأسعار ارتفعت وهناك نقص في السلع الرئيسة فيه مبالغة واضحة، لأنّ غالبيّة السلع متوفّرة في كافّة أنحاء الدولة وبكمّيّات تغطّي احتياجات المملكة لأشهر عديدة من جميع أنواع السلع الّتي تتوافر بدائلها وبتنوّع شديد، فحين أن تدخل أي مركز تجاريّ أو بقالة صغيرة ستجد أنوعا عدّة من الأرزّ والسكّر وغيرها من السلع الأساسيّة وبأسعار متفاوتة.
الأسعار لم تختلف كثيراً عن السنوات السابقة، بالعكس هناك بعض الأصناف مثل الزيوت والأرزّ على سبيل المثال لا الحصر عادت تقريباً إلى مستوياتها السعريّة الّتي كانت عليها قبل جائحة كورونا، فمعدّلات التضخّم في الأردنّ الأقلّ في المنطقة (4.2 %)، في حين أن بعض الدول وصل فيها التضخّم لأكثر من 40 %.
أمّا عن وجود هيمنة واحتكارات في السوق، خاصّة بموضوع استيراد اللحوم من قبل شركة واحدة أو استيراد السكّر من قبل شركتين أو ثلاث ، فهذا الأمر “حقّ يراد به باطل”، فالأصل في وصف كلمة احتكار أو هيمنة أن تكون هناك إجراءات قانونيّة رسميّة تحدّ من السماح لأيّ جهة كانت من مزاولة عمليّة الاستيراد لهذه السلع، فالسوق الحرّ لا يضع أيّ ضوابط على الحصول على رخص الاستيراد لهذه السلع طالما استوفت الشروط الفنّيّة المعلنة للجميع. بمعنى آخر، أنّه من أراد أن يستورد اللحوم فليتفضّل والسوق مفتوح على مصراعيه، ولا ذنب لشركة تمتلك الموارد الماليّة واللوجستيّة من أن تكون هي المستورد الرئيسيّ للحوم طالما بالإمكان لكلّ من يقدر على متطلّبات الاستيراد أن يقوم بذلك، فلا عقبات قانونيّة ولا إجرائيّة تحول دون ذلك بقدر ما هي قدرات ماليّة تتفاوت من شركة لأخرى.
الحقيقة الأخرى الّتي يجب الحديث عنها بشجاعة ومسؤوليّة، أن القطاع الخاصّ من مستوردين وتجّار وصناعيّين، مارس الغالبيّة العظمى منهم دوراً وطنيّاً مشرفاً خلال الأعوام الماضية وخاصّة خلال وبعد الجائحة، بتوفير كافّة أنواع السلع وبتنوّع كبير وأسعار تقترب الكثير منها من الكلفة الحقيقيّة، وبعضهم تحمل خسائر ماليّة كبيرة، سجّلت رسميّاً مقابل عدم قطع الأسواق من أي سلعة رئيسة، لذلك لم يشعر المواطن الأردنيّ خلال السنوات الماضية بنقص أي سلعة في رفوف المحلّات كما كان يحدث في أسواق دول الجوار، وبأسعار أقلّ بكثير ممّا هي عليه في الأسواق العالميّة.
صحيح قد يكون هناك بعض الحالات والممارسات غير الرشيدة من قبل بعض ضعاف النفوس الّذين يهدفون للربح الكبير على حساب المواطنين، وفعلاً حدث ذلك ولا يجب علينا أن ننكره، ومحاربته وكشف هذه الفئة مسؤوليّة مهمّة ومشتركة للجميع وليس فقط على وزارة الصناعة وفرقها التفتيشيّة الّذين يمارسون أدواراً مشرّفة في الرقابة على الأسواق، وتعزيز تنافسيّتها وإزالة التشوّهات السعريّة والّتي أدّت جميعها بدون أدنى شكّ، لأن يكون معدّل التضخّم في الأردنّ هو الأقلّ في المنطقة.
القطاع الخاصّ الأردنيّ بكلّ فئاته التجاريّة والصناعيّة لعب دوراً وطنيّاً مسؤولاً، وما يزال يلعبه رغم كلّ التحدّيات والتقلّبات السعريّة وارتفاعها عالميّاً، وكان وما يزال على الدوام خزّان الأمان الإستراتيجيّ للبوّابة في كلّ الحالات الطارئة، فالحكومات لا تستورد أي شيء من السلع الرئيسة، وهذه مسؤوليّة باتت ملقاة على عاتق القطاع الخاصّ الّذي تحملها بكلّ روح ومسؤوليّة عالية، نجح وتميّز فيها خاصّة في السنوات الأخيرة، فله كلّ التحيّة والاحترام والدعم.