كما نعلم جميعاً فإن الرياضة تحولت على مدى العصور من هواية، الى فن الى علم يدرس كمسار جامعي.
لكن؛ هل فكّرت ما الذي يدفع بالانسان إلى تشجيع فريق معيّن وحبّه، الانتماء والارتباط به وبتاريخه وبلاعبيه؟ وكيف يتحوّل الأمر به إلى تشجيع أعمىً يقوده اللاوعي ! وغياب المنطق والعقل والأسباب؟ أو كيف تتحوّل الجماهير العريضة إلى حشودٍ همجية شبه مريضة في بعض المباريات تحطم وتدمّر كلّ ما تجده أمامها وممكن ان تصل بها الى التعدي على الطرف الآخر في الملعب كضربه مثلاً!هنالك تفسيراتٍ ممكنة لسلوكيات الانسان المرتبطة بكرة القدم، سواء من ناحية اجتماعية تربوية نفسية أو علمية. فسيولوجية أو عصبية.نفسياً؛ يرى المشجّع في الفريق الرياضي الذي يشجّعه ويحبّه امتدادًا لهويته، لذاته أو تعبيرًا عن إحساسه بها.فالفريق المفضّل كامتدادٍ للذات فلا عجب حين يصبح الضمير المُستخدم للتعبير عن الفريق "نحنُ" وليس "هم"، أيْ أنّ مشاعره للفريق الذي يشجعه تمتزج بذاته و لا يعود يرى أناه ذاتًا منفصلة، بل تتصل وتمتزج للفريق ولاعبيه وتاريخه وإنجازاته وخساراته وتحوّلاته واحترامه وصورته.ويمتدّ الأمر حتى يصل للفخر والهوية والانتماء، وما يتبعها من تحيّزات وتعصب وتفريقات "لا واعية" أو قد تكون "واعية" لكن بصورة "غير منطقية". ولهذا يظنّ كلّ شخصٍ أن فريقه هو الأفضل، أي أنه هو الأفضل، "نحنُ الأفضل". هنا يلعب "التحيّز الضِمني" دورًا كبيرًا ويسيطر على جزءٍ كبيرٍ من المشهد.والتحيزات الضمنية هي المواقف أو الصور النمطية التي تتشكل في عقولنا وتؤثر على سلوكنا وقراراتنا بطريقة غير واعية، أي أنه قد يصعب علينا الاعتراف بوجودها، ومن هنا جاءت تسميتها بالضمنية، فهي غير واضحة أو صريحة، لكنها مع مرور الوقت تصبح أكثر رسوخًا ما يجعل من تجاهل وجودها أو إنكارها أمرًا صعبًا أو شبه مستحيل.يخضع عشّاق الرياضة لهذا النوع من التعصب الرياضي تمامًا كما يخضعون، والأشخاص الآخرون، لنفس الأسباب التي تتكوّن عند أيّ انسان فيما يتعلّق بالناس من حوله، أو بآرائه السياسية، أو بتصوّراته عن العالم، أو بمواقفه الحياتيّة، أو بأفكاره الثقافية. ولا عجب إذنْ أنْ تتكون تلك التحيزات حيال الفريق أو اللعبة.الانتماء.. حاجة أساسية يُشبعها الفريق المفضّللو جئنا إلى "هرم ماسلو" الشهير، الذي يوضّح ترتيب احتياجات الإنسان والدوافع التي تحرّكه وتحفّز أفعاله وسلوكياته، لوجدنا أنّ الحاجة إلى الانتماء والتي تنتمي إلى فئة الحاجات الاجتماعية، تتربّع في المستوى الثالث من أصل خمس مستويات في الهرم، يليها الحاجة للتقدير ثم الحاجة لتأكيد الذات.يبحث الانسان في الفريق الذي يشجعه عن ما ينتمي له ويربط ذاته ونفسه به، أيْ أنّ الأمر أشبه بالبحث عن الهوية الانسانية.ومع تطوّر شعور الانتماء هذا، تتطوّر الأفكار والسلوكيات المتعلقة به؛ بدءًا من الأفكار التعصبية والعنصرية كما شرحنا، أو السلوكيات المرتبطة بحضور المباريات وارتداء لباس الفريق وحمل أعلامه، أو حتى السلوكيات العدوانية تجاه مشجعي الفريق المنافس في حالات كثيرة.ولا تقتصر كرة القدم على العلاقة الثنائية بين الفريق والمشجعين فقط، ولكن أيضًا تمتدّ للفخر الإقليميّ أو القوميّ والعلاقات الأسريّة والانتماءات السياسية والأذواق الجمالية والمعايير الأخلاقية فهي تؤثر على تفكير الانسان من خلال مشاعره وبالتالي سلوكه فقد يصبح الحوار أو النقاش ليس حول الفريق المعين أو اللاعب ، وإنما لموقفه السياسيّ مثلًا، أو أخلاقياته وتقاليده، مما يزيد من تبعات تشجيعه وولائه والانتماء له عند المشجّعين.الهرمونات التي تتحكّم بسلوكيّاتنا الرياضيةفسيولوجيًا؛ ثمة العديد من التفسيرات التي قد تقدّم لنا جوابًا ممكنًا على ذلك السؤال. قد يكون إحداها هو ارتفاع مستويات العديد من الهرومات في الجسم، مثل الدوبامين الذي يعمل على تنظيم الاستجابات العاطفية والنشاط الحركيّ والفيزيائيّ، فمن ناحيةٍ يُفرز هذا الهرمون في حالات السعي لتحقيق غريزةٍ ما لتحفيز نظام المكافأة في الجسم، أيْ أنّ شعور الفوز سيكون مرتبطًا بنشوةٍ حقيقيّة تصاحب النصر المحقّق.تؤدي مشاهدة المباريات إلىزيادة مستويات هرمون التستوستيرون في الجسم، الأمر الذي يؤدي بدوره زيادة الشعور بالسيطرة وتحفيز السلوك العدوانيّ. وهذا بكلّ تأكيدٍ يمكن أن يساعد في تفسير سبب حدوث الكثير من أعمال الشغب بعد انتهاء المباريات أو خلالها.وهنا نستطيع القول بأن هوس التشجيع الرياضي هو مرض وبحاجة إلى علاج.اما الدوبامين؛ فله علاقة وثيقة بالإدمان، إذ يعمل الدماغ على حفظ البيانات المتعلقة بارتفاع مستوى الدوبامين في مركز الذاكرة، حتى يستيطع الفرد تذكّره ومحاولة تكرار الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاعه في المستقبل. كما انه يعمل مع المادة السوداء في الجسم على تنظيم الحركة الفيزيائية بكلّ سلاسة، كما أن قدرته على هذا التفعيل الحركي لها علاقة وثيقة بطبيعته التحفيزية، فهذا التحفيز يشمل الجهاز العضلي والعصبي، وربما هذا ما يفسّر النشاط الحركيّ المتصاعد الذي يصاحب مشجعي الرياضة، اينما كانوا على مدرجات الملعب، في المقاهي، أو في بيوتهم. والخلايا العصبية المرآتية؛ تعمل هذه الخلايا الموجودة في الدماغ كالرصد ، وتنظّم العمل بينها وبين الخلايا المرآتية الأخرى الموجودة عند الأشخاص الآخرين. فتقوم بمراقبة ما يجري في مع الآخرين من حولها ومن ثمّ تحلل المعلومات التي تصلها، قبل أنْ تأتي بأعراض أو تصرفات ملائمة للموقف الحاصل.فهي السبب المباشر الذي يجعل المتابعين للمباراة أو المشاهدين لهايشعرون وكأنهم هم اللاعبون في أرض الملعب.بمعنى ؛ أن خلايا المتابعين والمشاهدين تُحاكي خلايا اللاعبين أنفسهم، فعندما يتعلق الأمر بمشاهدة المباراة، فإنّ هذه العصبونات المرآتية تجعل المشجعين يستوعبون الإجراءات التي يشهدونها في الميدان أمامهم، فيشعرون بعواطف اللاعبين كما لو كانوا يفعلون ذلك بأنفسهم.إضافة إلى أن للمخدرات أثراً بالغاً في زيادة شريحة التعصب الرياضي، وزيادة حدة الانفعالات، ردات الفعل و الهمجية. فيجب وضع مدونة سلوك دولية تتضمن ضوابط وتحديد سن قانونية لدخول أماكن التشجيع، وفرض عقوبات على من لا يلتزم او يضبط سلوكه وقت التشجيع، وهنا كما ذكرنا؛ هي مسؤولية دولية ومحلية من سن التشريعات والقوانين للتوعية اعلامياً وتربوياً وثقافياً وحتى وجودها بمناهج التعليم ولجميع المراحل بكل ما يختص بهندسة العوامل البشرية التي تؤثر على الانسان بموضوع التشجيع الرياضي وذلك للحد من تزايد السلوكيات المشينة والحوادث المأسوية في جميع دول العالم على حدٍ سواء.
خبيرة أردنية تحذر من هوس التشجيع الرياضي.. يقود الى هذا
مدار الساعة ـ