مدار الساعة -د. ليث كمال نصراوين
بعد أن صدرت الإرادة الملكية السامية بفض الدورة الاستثنائية لمجلس الأمة وتحديد موعد بدء الدورة العادية الثانية منتصف شهر تشرين ثاني القادم، يكون العمر الدستوري لمجلس النواب قد شارف على الانتصاف. فمنذ انتخابه في عام 2020 وخلال الدورات البرلمانية السابقة التي عقدها، تمكّن المجلس النيابي من ممارسة دوره التشريعي بصورة إيجابية وفعالة، حيث أقر العديد من القوانين الهامة والأساسية، التي امتد نطاقها ليشمل الإصلاح السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي منه.فقد نجح مجلس النواب التاسع عشر في إقرار جملة القوانين التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من تعديلات دستورية وقانوني انتخاب وأحزاب سياسية جديدين. كما أقر المجلس تعديلات جوهرية على قانون التنفيذ تتعلق بالحد من حالات حبس المدين، إلى جانب التوسع في العقوبات البديلة السالبة للحرية في قانون العقوبات، وذلك بهدف الحد من مشكلة اكتظاظ مراكز الإصلاح والتأهيل.
وقد استمر مجلس النواب في انجازته التشريعية خلال الدورة الاستثنائية الأخيرة، حيث أقر قانون البيئة الاستثمارية كمُخرج رئيسي من مخرجات لجنة الإصلاح الاقتصادي. كما أصدر المجلس قانون حقوق الطفل بعد عقود من المد والجزر حول الحاجة إلى هذا التشريع من عدمه، وأدخل تعديلا خلافيا على قانون المجلس الطبي فيما يخص التوسع في الاستثناءات من عقد امتحان "البورد" الطبي.إلا أن هذا النجاح التشريعي للمجلس الحالي قد رافقه ظاهرة نيابية غير مسبوقة تتمثل في الانتقادات العلنية التي يتسابق أعضاء مجلس النواب في توجيهها إلى القوانين التي قاموا بالتصويت عليها وإقرارها. فها هم النواب وعلى شاشات التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة يوجهون سهام نقدهم إلى العديد من القوانين المستحدثة التي لم تتم المصادقة عليها بعد، ولم يدخل البعض الآخر منها حيز التنفيذ.فرئيس اللجنة المالية يعبر عن رفضه لقانون البيئة الاستثمارية واصفا إياه بأشد الألفاظ السوداوية التشاؤمية، في حين يهاجم نواب اللجنة القانونية قانون التنفيذ المعدل على الرغم من أن معظم نصوصه الجديدة لم يجر تطبيقها بعد بسبب تمديد العمل بأمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021 الخاص بعدم حبس المدين. ولا يزال قانون حقوق الطفل يثير حالة من الاستياء العام لدى معظم النواب الذين لا يرون حاجة له، ويعتبرون أن هذا القانون قد جاء نتيجة إملاءات وضغوط خارجية على الدولة الأردنية.إن ردة الفعل النيابية هذه على القوانين التي جرى إقرارها مؤخرا من شأنها أن تثير الشكوك السياسية والشعبية حول مجريات العملية التشريعية من حيث مدى جدية النواب في التعاطي معها، واستقلاليتهم في اتخاذ القرار المناسب حولها. كما أن هذا الموقف النيابي السلبي من القواعد القانونية المستحدثة سيعطي مبررا لكل فرد مخاطب بها بأن يخالفها أو ألا يعمل بموجبها، بحجة أن المشرع الذي أقرها هو نفسه غير مقتنع بها ويعارضها بشكل علني.إن المبدأ الأساسي الذي يجب أن يحكم العمل التشريعي للنواب هو مبدأ الجماعية والعمل بروح الفريق الواحد، شأنهم في ذلك شأن الوزراء في السلطة التنفيذية. فالمسؤولية الوزارية المشتركة لرئيس الوزراء وفريقه الوزاري أمام مجلس النواب تقتضي من الوزراء أن يكونوا صفا واحدا خلف رئيسهم، وأن يدافعوا بالعلن وأمام وسائل الإعلام عن كافة القرارات الحكومية، حتى ولو كانت إحدى هذه القرارات محل معارضة ورفض من قبل أحد الوزراء أثناء المناقشات الحكومية، فبمجرد صدور القرار الحكومي يقوم جميع الوزراء بتبنيه والدفاع عنه.فأسوة بالوزراء الذين يظهرون درجة عالية من التماسك والالتفاف حول رئيسهم، يتعين على النواب أن يناصروا القوانين التي شاركوا في إقرارها والتصويت عليها. فأي وجهات نظر مختلفة للشكل الأخير الذي صدر فيه القانون يمكن للنواب أن يتعاملوا معها بطريقة دستورية، وذلك من خلال تقديم "اقتراحات بقوانين" لتعديل هذه التشريعات استنادا لأحكام المادة (95) من الدستور.وعليه، فإن الحاجة ماسة اليوم لتضمين مدونة السلوك الخاصة بمجلس النواب نصا صريحا يحظر على النائب الانتقاد القاسي والتجريح العلني بالقوانين التي جرى إقرارها، واعتبار ذلك السلوك مساسا بهيبة المجلس وسمعته أمام الرأي العام. * أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنيةlaith@lawyer.com