مدار الساعة - ليث الجنيدي / الأناضول - "العقل السليم في الجسم السليم"، مقولة يرفض الأردني حسن بني نصر ترتيب كلماتها، فهو يرى بأنها العكس، مستندا في ذلك إلى إعاقته الجسدية التي خُلقت معه، ورغم ذلك لم تحل دون أن يكون إنسانا فاعلا في مجتمعه، ويقوم بأعمال مهنية صعبة لا يقدر عليها بعض الأصحاء.
يعيش بني نصر (51 عاما) بمنطقة كفرنجة التابعة لمحافظة عجلون شمالي الأردن، حياة ملؤها المحبة والتفاهم مع زوجته وأسرته المكونة من 4 بنات وولدين، ويتلاءم مع ظرف صحي يعانيه منذ صغره وهو شلل الأطفال (في الرجلين).لم يلتفت بني نصر إلى إعاقته، وكانت بالنسبة إليه دافعا يحقق من خلاله التميز عبر القيام بأصعب المشاغل وأشقّها، من زراعة وبناء وغير ذلك.مراسل الأناضول، زار بني نصر في مزرعته الخاصة المكونة من تسعة دونمات (الدونم ألف متر مربع)، والتي أظهر حجم التنوع الزراعي فيها مدى قدرته على القيام بمهمة المزارع النشيط، دون أدنى نظر لإعاقته. ** عصامي ويتطور معتمدا على عكازيه، يتنقل بني نصر من نبتة إلى أخرى، حاملا بيديه مجرفته ليفتح للماء سبيلا للوصول إليها، وعيون طفلته سوار (9 أعوام) تشع بهجة وسرورا بما يفعله والدها، باعثةً بابتسامتها البريئة رسالة فخر واعتزاز بمجهوده.في وقت يتعثر الأصحاء خلال المشي بالمكان لوعورته، يتحرك بني نصر بسهولة وسلاسة، متناسيا أنه يستند إلى عكازين، مُخاطبا مراسل الأناضول "امشِ يا رجل ولا تخف"، وكأنه يريد أن يؤكد رفضه لوصف الإعاقة، وما يصاحبها من نظرة حزن وشفقة لصاحبها.يقول بني نصر، للأناضول، "أعمل في مديرية الضمان الاجتماعي (حكومية) منذ 2014 في قسم الخدمات الإلكترونية، وأعمل في مزرعتي بعد نهاية الدوام الرسمي"."أنا عصامي وأسعى دائما لتطوير نفسي"، بهذه الكلمات وصف حسن نفسه.ولفت إلى أنه على مقاعد الدراسة الجامعية، واقترب من مرحلة التخرج. ** امرأة عظيمة
وتابع بني نصر: "يقولون: وراء كل رجل عظيم امرأة"، وهنا أراد ألا ينسى دور شريكة عمره بالوقوف إلى جانبه، قائلا "زوجتي من تساندني، وحثتني على إكمال دراستي".ومستذكرا قصة حبهما، قال: "أصرّت على الزواج مني رغم أنني أكبرها بـ15 عاما، ووقفت في وجه أهلها عندما تقدمتُ لخطبتها، مؤكدة أنها ستجد سعادتها معي ولا تهمها إعاقتي التي هي خلقة ربانية".وزاد: "لم أنس لزوجتي موقفها ومساندتها لي، فقررت أن أوفيها ولو جزءا بسيطا من ذلك، فدفعتها إلى إكمال دراسة الثانوية العامة، ومن ثم الدبلوم والبكالوريوس (الليسانس) وصولا إلى نيلها درجة الماجستير في المحاسبة، وهي الآن تتحضر لدراسة الدكتوراه".ومستأنفا الحديث عن حالته الصحية بعد وصلة عرفان بالجميل لزوجته، أوضح بني نصر: "كانت نظرات الناس منذ طفولتي وحديثهم بأنني مثير للشفقة، متسائلين عما سأفعله بحياتي، وبفضل الله أثبتُّ لهم العكس وبأنهم هم المثيرون للشفقة، فما أفعله لا يقدرون عليه".وتابع: "كان والدي رحمه الله، يصنع لي عكازين من الخشب، فالحياة لم تكن متطورة كما الآن، وكان يُصر على اصطحابي معه إلى العمل؛ ليساعدني على إعالة نفسي والانخراط بالمجتمع". ** الصعوبة ليست بالإعاقة
وفي سبيل تأكيد قدرته على العمل الشاق، تطرق بني نصر إلى عمله لسنوات طويلة في أعمال البناء والحجر، وأن كثيرا من أبناء قريته كانوا يطلبون العمل معه لتحقيق الدخل المالي لهم.وعن عمله بالمزرعة وبأسلوب بدا فيه متباهيا، قال بني نصر: "هذه الأرض أزرعها بنفسي بالكامل، ولا أنتظر مساعدة أحد".وأشار إلى أن "أشجار الزيتون والليمون والجوز والبرتقال والمشمش، بالإضافة إلى الخضار بمختلف أنواعه، جميعها منتجات هذه الأرض، والتي تُوفر لي دخلا إضافيا".وختم حديثه بالقول: "الإنسان لا يصعب عليه شيء، الصعوبة ليست بإعاقة الجسد، وإنما في إعاقة العقل الخالي من الإرادة، فأنا أقول إن "الجسم السليم بالعقل السليم" وليس العكس.