أول ما يصادفك وأنت تدلف بيوت أهلنا ، قواوير مصطفة على الممرات العتيقة ، ربما تكون علبا من التنك ؛ فلا يهم إن كانت علبة سمنة أو حليب أو دلو لبن من البلاستيك ، المهم مزروع به عروق الريحان على الممرات الضيّقة ، ربما ليستْ متناسقات بالطول والحجم ، ولكنها تتسابق بعروق الريحان المنتشية ، وربما في الصباح الباكر رفعتها الأمهات على أطراف الشبابيك ، وبلّلتْ يديها ببضع حبيبات ماء ثم نثرتها على الأوراق الخضراء ، وكلمّا هزّها نسيم الصباح ، جلب معه رائحة الريحان التي لا يشبهها شيء إلا رائحة الجنّة الموعودة ربما.
كانتْ الأمهات في ساعات الغروب وإقتراب المساء ، عندما يحلّ ضيف على البيت ، يقرّب منه قوّارة من الريحان تكريما له ، ولينتشي بعطرها ، ولربما لامس براحتيه أوراقها ، أو قطف عرقا صغيرا إحتفظ به ، وخبئه بجيبه خلسة.
الريحان من نبات الجنّة وله فوائد جمّة ، وقد ذكر في القرآن مرتان : (والحب ذُو العصف والريحان ) و(فروح وريحان وجنّة نعيم ) ، لذا لا نستغرب أن أمهاتنا كُنّ يتسابقن لزراعته في البيوت ، وعلى الممرات ، وعلى أطراف الشبابيك.
الريحان كالحياة ، عمره قصير ، يصاب بالذبول سريعا ، وكُنّ أمهاتنا يقلن : ماله روح ، ربما عرق الريحان يشبه بعضنا ، يأتي سريعا ويذهب على عجل ، كان زاهيا منتشيّا بعطره ، ما أن لبث ذبل وإصفّر وحيدا ، عندما غابتْ الأيادي عنه ..!!