مدار الساعة - ليث الجنيدي -ليس لها إلا نباحها للفت الأنظار إليها، ولا يعلم ألمها وشكواها إلا خالقها، الخلاء مسكنها، هائمة على وجهها في الأزقة والطرقات بحثا عن طعام، هذا هو حال كلاب الشوارع بالأردن، قبل أن تنشأ بينها وبين نادر عبد الرحيم، ما يشبه قصص الحب.
العشاق يعيشون على أمل لقاء يجمعهم، ليعبّر كل واحد منهم عن مشاعره تجاه الآخر، لكن نادر (42 عاما) وكلاب الشوارع في بلاده لا يُجيدون لغة الكلام بل الأفعال، فهي تنتظر الشاب الأردني للحضور بمواعيد محددة، محملا بأكياس الطعام، وسط إنسانية تنطق بالرفق والرأفة، تجاه حيوانات تئنّ جوعا، ولا تجد من يملأ أمعاءها.مراسل الأناضول، رافق عبد الرحيم في إحدى جولاته بمدينة سحاب في ضواحي العاصمة عمان، واطلع على واقع ما يقوم به تجاه تلك الحيوانات، والذي أخذ على عاتقه توفير الطعام لها منذ نحو 7 أعوام.كأنها تعلم بأن القادم في مركبته هو نادر، فما إن اصطف على جانب الطريق، حتى تجمعت كل الكلاب وجرائها، تلتفت برؤوسها ميمنة وميسرة، وتنتظر خروج وجباتها، لتسد جوعها من فضلات المداجن والملاحم، التي اعتادت عليها.ارتدى الشاب الأردني قفازاته، وأخرج من صندوق مركبته أطباقا كرتونية، ليوزع على تلك الكلاب حصتها، وقد ملأ نباحها أرجاء المكان، وكأنها تحتفل بوصول إعاشتها.حاول أحد الكلاب من خارج المنطقة الاقتراب من الطعام، لكن الكلاب سرعان ما بدأت بالنباح عليه، ولسان حالها يقول "ابتعد من هنا فدورك لم يأت"، لينتقل بعدها الشاب الأردني إلى مكانها ويقدم لها حصتها، إيذانا منه باستكمال جولته في المكان.** نظرة المجتمعفي حديث للأناضول، قال نادر الذي يحمل الدرجة الجامعية في تخصص المحاسبة ويعمل في مجال العقارات: "منذ عام 2015 وأنا أرعى كلاب الشوارع، لأنها أكثر الحيوانات اضطهاد ونبذا دون سبب".وتابع: "عندما بدأت الإعلان عما أقوم به، تعرضت لبعض التندر، ولكنني أقول بأن لكل إنسان في هذه الدنيا اختصاصا، وربي سخرني لهذه الحيوانات".وأضاف: "كان من أسباب التندر علي بأنني أطعم هذ الحيوانات، علما بأنني أوضحت أكثر من مرة بأن هذه الأطعمة لا تصلح للاستهلاك البشري، وهي عبارة عن مخلفات اللحوم والدجاج، وليس كما يعتقد البعض".وأردف: "أهدف مما أقوم به إلى تغيير نظرة المجتمع لهذه الحيوانات، والكلاب من هذا النوع يتم طردها وملاحقتها بالأحياء السكنية، إلى أن تصل إلى أماكن خالية، وأنا أقوم برعايتها".وزاد: "العلاقة بيني وبين هذه الكلاب كما ترى، فهي تنتظرني على الموعد، وأؤكد بأن الدافع لرعايتها إنساني، ولا أهدف لأي منافع مادية من وراء ذلك".واستطرد: "عرض علي الكثير من التبرعات للمساهمة في رعاية هذه الكلاب، ولكنني رفضت، ولا أقبل أي دعم مهما كان نوعه، وقد تلقيت عروضا من منظمات دولية تهتم بهذا النوع من الحيوانات ولم أقبل".ومضى قائلا: "لدي 3 كلاب في بيتي (..) أحدها من كلاب الشوارع، ولم أصادف من هذه الحيوانات أي تعامل ينم عن شراسة، فهي مسالمة ولا تريد سوى الطعام".** "كلاب كنعانية"أوضح الشاب الأردني، أن كلاب الشوارع بالمملكة "كنعانية وصديقة للإنسان، عاشت في مصر وفلسطين، وهي أقدم سلالة في التاريخ".ولم يخل حديثه من السياسية، إذ تطرق إلى ادعاءات إسرائيلية بمرجعية هذه الكلاب لها "لتثبت ارتباطها بالمنطقة، وتشرعن احتلالها لأرض فلسطين".ولفت إلى أنه يقوم بتقديم الطعام لكلاب الشارع 6 مرات بالأسبوع، وكل جولة تستغرق 6 ساعات.واستدرك: "أطعمها بنفسي، وأراقب طريقة أكلها، لأضمن حصول الجميع على الطعام، كما أقوم برعايتها صحيا وأقدم لها العلاج اللازم عند الحاجة".وتابع: "لست طبيبا بيطريا، ولكن اكتسبت الخبرة من التعامل معها، فهي لا تستطيع أن تعبر عن ألمها، ولا يسمع أنينها إلا الله".وعن المواقع التي يقصدها، كشف نادر أن جولاته تشمل جميع محافظات الأردن باستثناء العقبة (أقصى الجنوب)، "لأن اللحوم تفسد مع طول المسافة".واختتم بالقول: "في الواقع، الكلاب تحتاج إلى وجبة يومية، ولكن في هذه الحالة بالنسبة لكلاب الشوارع، فإن ما تأكله يكفيها لثلاثة أيام، لحين وصول الوجبة القادمة".
نادر يكشف سلالة كلاب الشوارع في الأردن
مدار الساعة ـ
حجم الخط
