ربما لم تشهد أزمة في العالم هذا العدد الكبير من القوى الاقليمية والدولية المتدخلة، مثلما هو في الازمة السورية ليس فقط بالموقف السياسي، انما بالتدخل المباشر عبر قوات لذات الدول او وكلاء عنها وفق حسبة مصالح واهداف متداخلة ومعقدة واجندات معلنة واخرى مخفية، جعلت على الدوام الازمة السورية مفتوحة على كل افاق التازم واغلاق نوافذ الحلول والمقاربات بل والشلل في التقدم بأي خطوة الى الامام وان حدث اي جهد او اجراء فانه ما يلبث ان ينهار ويتلاشي لتعود مجريات الازمة الى مربعها الاول.
القوى الاقليمية والدولية التي كانت ترقب المشهد وتطوراته من خارج الحدود السورية في الاشهر الاولى من الازمة في العام 2011، ووقفت عند حدود الاختلافات في المواقف والتأييد والرفض لما يجري على الساحة السورية، في ظل تسارع الاحداث انذاك من مظاهرات سلمية في عدد من المدن والارياف السورية، تصدت لها السلطات السورية بالقوة، الى ظهور السلاح في الشوارع وتحول المشهد، الى صراع مسلح، وعسكرة من قبل كافة الاطراف، وبداية عبور القوى الاقليمية والدولية للحدود السورية مباشرة او عبر وكلائها للتدخل مباشرة في الازمة.
وحتى منتصف العام 2013 كان الصراع الدولي يدور في اروقة مجلس الامن في الامم المتحدة، لحسم الصراع، وكان الغرب بقيادة الولايات المتحدة والدول الاوربية، قد اتخذ موقفا حاسما من النظام السوري بالمطالبة برحيله، فيما كان الفيتو الروسي الصيني كفيلا، بعدم تحويل الموقف الغربي الى قرارات، وكانت الازمة على الارض تزداد اشتعالا، وبدأ الارهاب يدخل بقوة الى الساحة مستغلا الفوضى على الارض وتحول سوريا الى دولة فاشلة بمعنى الكلمة ومرتعا للحرب الاهلية ومفتوحة الابواب على كل صور التدخل والاستقطاب الاقليمي والدولي.
وبينما كان الموقف الروسي يزداد حدة ومواجهة للغرب حيال الازمة السورية واستخدام الفيتو في وجه اي مشروع يطرح، كان الرئيس الاميركي انذاك باراك اوباما، يتحول الى حالة انسحابية وترك الفراغ في منطقة الشرق الاوسط برمته، مع ابقاء التركيز على انجاز الاتفاق النووي مع ايران
الذي لم يضع فيتو على التدخلات الايرانية في الاقليم بل ارتفعت وتيرة هذه التدخلات بعد الاتفاق
عما قبله وفي سوريا على وجه الخصوص اضافة لعدد من دول المنطقة.
في اب 2013 تجاوز الرئيس باراك اوباما الخط الاحمر الذي وضعه حيال استخدام السلاح الكيماوي، الذي وقع في الغوطة الشرقية، ووافق على العرض الروسي بمقايضة ترسانه السلاح الكيماوي السوري، بوقف الضربة الاميركية الوشيكة انذاك، ومرة اخرى كانت اليد الروسية هي العليا في الازمة السورية، مقابل تراجع الدور الاميركي وكذلك الانحسار التدريجي لدعم واشنطن، للجبهة المناهضة للنظام السوري، ومع مرور الوقت اصبحت هذه الجبهة بلا ظهير دولي،
ودخل حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الى اجواء ازمة واتهامية للرئيس باراك اوباما بانه ترك الحلفاء في الشرق الاوسط وتخلى عنهم في سابقة لم تحدث مع اي رئيس او ادارة اميركية سابقة.
في الاشهر الاخيرة من العام 2015 كان المسرح السوري، مهيأ، للتدخل الروسي الكامل بشقة العسكري هذه المرة، في ظل فراغ هائل تركته الولايات المتحدة هناك، وكان الجيش السوري مدعوما بالجهد الايراني منهكا، ويوشك على الانهيار، في الوقت الذي كانت فيه المعارضة المسلحة رغم قلة الدعم الدولي تقف على خطوط التماس، لمواقع النظام السوري حول دمشق والساحل وسيطرة كبيرة في الجنوب السوري والشمال، فكانت اللحظة الحاسمة التي تدخلت فيها موسكو عسكريا، وانقذت النظام من حافة الانهيار، وهو ماعبر عنه المسؤولين الروس صراحة بعد ذلك خصوصا بعد حسم معركة حلب بتدخل روسي مباشر ومكثف.
بعد هذا التدخل اصبحت موسكو، صاحبة الشان الاول في الازمة السورية، وفي العام الماضي، وبعد ان حققت مصالحها الاستراتيجية العسكرية والسياسية في سوريا، حاولت التحول من موقف (المتدخل) الى (الوسيط) في الازمة فخلقت مسارالعسكري الامني في استانا، في ظل وجود المسار الدولي السياسي الاممي في جنيف الذي لم يحقق شيئا سوى تكرار الجولات، ومع كل ذلك فان التطورات على الارض بقيت تتحكم بالمعادلة، وصراع النفوذ والتدخل، بقي سيد الموقف وكان ومازال كفيلا باجهاض اي حل يذكر.
الجغرافيا والديمغرافيا السورية اليوم وفي منتصف السنة السابعة للازمة، ممزقة، وتمثل مناطق خفض التصعيد التي اجترحتها روسيا وتركيا وايران كدول ضامنة وفق مسار استانا، صورة حية عن المشهد القائم في هذه المرحلة للوضع السوري، فهي تماهي حالة تقسيم وتقاسم نفوذ بين القوى الاقليمية والدولية، وحتى ان طبيعة الحدود الجغرافية وآليات حمايتها ستعزز هذا المسار، سواء في شمال سوريا او غربها او جنوبها وشرقها.
المفارقة انه في الوقت الذي تتحدث فيه كافة اطراف الازمة عن وحدة سوريا فان شبح التقسيم الذي يواجه الجغرافيا والديمغرافيا السورية، ربما يكون وصفة الحل الاجبارية التي قادت اليها مجريات الازمة السورية في السنوات الماضية.
الرأي