مدار الساعة - لليوم التالي على التوالي تتواصل المعارك بين الجيش الروسي وقوات انفصالية وبين الجيش الأوكراني في عدة مدن، في ظل تقدُّم روسي كبير صوب العاصمة كييف.
وعاشت أوكرانيا ليلة ساخنة مع دخول اليوم الثاني من الهجوم الروسي عليها الجمعة 25 فبراير/شباط 2022؛ حيث سمعت أصوات انفجارات في كييف، وسط مخاوف من رغبة الجيش الروسي في تطويقها، فيما بلغ عدد ضحايا الهجوم الروسي حتى الآن 137 قتيلاً.
تصاعد القتال بالقرب من العاصمة
مع بزوغ فجر الجمعة 25 فبراير/شباط 2022، تعرَّضت العاصمة الأوكرانية كييف لقصف روسي، سُمعت أصداؤه في أنحاء العاصمة.
اختبأ العديد من المدنيين في الملاجئ ومحطات القطارات، مع انتشار تقارير عن أن الدبابات الروسية أصبحت تقترب من المدينة من جميع الاتجاهات، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام غربية.
رغم التطورات الميدانية العنيفة في أوكرانيا فإن الخطاب الأمريكي الذي ألقاه الرئيس جو بايدن لم يلبِّ طموحات الأوكرانيين الذين شعروا بأنهم تلقوا طعنة في الظهر من الحلفاء، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، فيما منح هذا الخطاب ربما الضوء الأخضر للرئيس الروسي لاستكمال مهمته.
بايدن اكتفى بالعقوبات الاقتصادية "القاسية" على بوتين وروسيا، فيما كان يعتقد الأوكرانيون أن الدعم الأمريكي قد يكون أكبر من العقوبات، وربما يصل إلى المشاركة في الحرب، لكن بايدن حسم موقف بلاده بعدم المشاركة أو إرسال قوات أمريكية إلى أرض المعركة.
ضوء أخضر أمريكي!
واستنكر بايدن ما وصفه بـ"الهجوم غير المبرر لروسيا على أوكرانيا"، معتبراً أن بوتين يطمح إلى إعادة تأسيس الاتحاد السوفييتي، كما أكد أن واشنطن لن ترسل قوات بلاده للقتال ضد روسيا.
الرئيس الأمريكي وخلال كلمة له بمناسبة الهجوم الروسي على كييف، شدد على أن القوات الأمريكية لن تحارب في أوكرانيا، فيما كشف في المقابل أنه "أمر بإرسال مزيد من القوات الأمريكية إلى ألمانيا".
كما تعهد بأن يضمن "أن يكون بوتين منبوذاً على المسرح الدولي، وسنعاقب أي دولة ستتعاون معه".
وفي خطابه قال بايدن: "وعلى الرغم من أننا قدمنا مساعدة دفاعية لأوكرانيا بأكثر من 650 مليون دولار هذا العام فقط – هذا العام الفائت، اسمحوا لي أن أقولها مرة أخرى: إن قواتنا لا ولن تشارك في الصراع مع روسيا في أوكرانيا".
وأضاف الرئيس الأمريكي قائلاً: "إن قواتنا لن تذهب إلى أوروبا للقتال في أوكرانيا، ولكن للدفاع عن حلفائنا في الناتو وطمأنة أولئك الحلفاء في الشرق".
هذا التصريح لفت الانتباه إلى أن أقصى ما يمكن أن تقدمه واشنطن هو الدعم العسكري الذي يقول البعض إنه لا يتجاوز الأسلحة الدفاعية فيما لم تحصل كييف على أي أسلحة هجومية تقاتل بها أمام الروس.
لكن في نفس الوقت سيكون الرد الأمريكي قوياً في حال هاجمت روسيا أياً من الدول الأعضاء في حلف الناتو، مما يعني أن الولايات المتحدة ستكون أكثر صرامة حال لجأ بوتين إلى معارك مع دول الناتو.
لكن في نفس الوقت، هدد بايدن بشكل مباشر روسيا في حال أنها أقدمت على شن هجمات سيبرانية ضد الشركات الأمريكية، فإن الولايات المتحدة ستكون جاهزة بالرد، وهذا ما قد يفسر على أن الوضع في أوكرانيا لا يستدعي الرد الأمريكي أو الأوروبي.
رغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأعلن عنها بايدن على روسيا وبوتين، فإن تصريحات الرئيس الأميركي توحي بأن أقصى ما يمكن فعله تجاه موسكو قد حصل؛ مما يعني أن الرئيس الروسي لن يقف عند هذه النقطة بل سيكمل مسيرته حتى إسقاط العاصمة الأوكرانية كييف وتنصيب زعيم موالٍ له في البلاد.
الضوء الأخضر مُنح قبل الحرب
قبل نهاية الشهر الماضي بأسبوع، قال أحد خبراء الأمن القومي إن الرئيس بايدن أعطى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الضوء الأخضر" لدخول أوكرانيا من خلال خطابه الذي لم يكن صارماً مع بوتين.
وقال كي تي ماكفارلاند، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترامب، لشبكة فوكس نيوز إن الرئيس بايدن قد جلب الأحداث الحالية على عاتقه، ويبدو أنه أعطى الرئيس بوتين "الضوء الأخضر" لغزو أوكرانيا خلال خطابه الأسبوعي.
وبحسب ماكفارلاند فإن قيام الولايات المتحدة بإجلاء عائلات موظفي السفارة الأمريكية في أوكرانيا هو علامة على "أننا نعتقد أن الأمور ستسوء حقاً ولا نريد وجود أمريكيين في أي مكان بالقرب منها ". وأن الرئيس الأمريكي قد يكون عرف ذلك ولن يقدم على أي ردع تجاه بوتين.
وقال خبير الأمن القومي إن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان "ساهم" في ما يحدث الآن بين أوكرانيا وروسيا؛ لأنه أعطى الدول الأخرى تصوراً بأن الولايات المتحدة "فوضوية" و "لن تقف في وجه خصومها"، وهذا ربما ما حدث عقب اندلاع الحرب بين أوكرانيا وروسيا.
بوتين كان مستعداً لكل هذا
يدرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طبيعة الخطوة التي أقدم عليها، فهو يعي الخلافات الكبيرة بين أعضاء الناتو حيال عدد من القضايا الأمنية والاستراتيجية في نفس الوقت لن يقدم الغرب على الدخول في معارك ضده بسبب أوكرانيا التي لم تنضم للاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو، ومن ثم لا يمكن أن تغامر واشنطن بحرب في هذا التوقيت بعد الانسحاب من أفغانستان ورغبة ساكن البيت الأبيض بالتركيز على الصين وليس روسيا.
وفيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية التي فُرضت عليه، يعرف بوتين كيف يمكن أن يتحايل عليها، فقبل 7 أعوام فرض الغرب عدداً من العقوبات عليه بعد ضمه شبه جزيرة القرم، لكن استطاع أن يتعامل معها منذ ذلك الحين.
كما أن السوابق التاريخية المتعددة في هذا السياق تشير إلى أن بوتين لا يتراجع عن تلك الخطوات مهما كانت قسوة العقوبات الاقتصادية، كما حدث في شبه جزيرة القرم عام 2014، والتي لا تزال العقوبات التي فرضها الغرب بسبب ضمها قائمة دون أن يكون لها تأثير يُذكر على خطوات بوتين.
وهناك أيضاً حالة جورجيا، التي تدخلت روسيا فيها عام 2008 بنفس السيناريو الحالي في أوكرانيا من خلال الاعتراف باستقلال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية (منطقتين انفصاليتين أيضاً) ونتج عن ذلك السيناريو تعطيل انضمام جورجيا إلى حلف الناتو حتى اليوم.
أوكرانيا باتت بمفردها
ردود الفعل الغربية حتى الآن مثلت خيبة أمل بالنسبة للأوكران، فقد هاجم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في ساعة مبكرة من الجمعة 25 فبراير/شباط 2022، بشدة ردود الفعل الدولية تجاه الهجوم الروسي على بلاده، مؤكداً أن العقوبات المفروضة على روسيا غير كافية، متهماً الغرب بترك أوكرانيا وحدها في مواجهة روسيا.
زيلينسكي الذي بدا غاضباً وغير راضٍ عن رد الفعل الأوروبي، قال إن العالم يواصل مشاهدة ما يحدث في أوكرانيا من بعيد، مؤكداً أن العقوبات الجديدة التي فرضتها كل من أمريكا والاتحاد الأوروبي وبريطانيا "لم تقنع روسيا".
وتساءل زيلينسكي قائلاً: "من مستعد للقتال معنا؟ لا أرى أحداً، من مستعد لأن يعطي أوكرانيا ضمانة بالانضمام إلى الناتو؟ الجميع خائفون".
واعتبر زيلينسكي أن الزعماء الـ27 في أوروبا خائفون، قائلاً: "جميعهم خائفون بينما نحن لا نخاف، ولا نخشى الحديث حول الوضع الحيادي مع روسيا، لكن ما هي الضمانات الأمنية التي ستقدَّم لنا؟ من سيضمن ذلك؟".
وأكد الرئيس الأوكراني أنه يتعين الحديث عن "نهاية الاحتلال المتواصل". وأضاف: "لكن مصير بلادنا الآن يعتمد كلياً على جيشنا وقواتنا الأمنية".
في الوقت ذاته أكد زيلينسكي أنه على رأس عمله، مشيراً إلى تلقيهم معلومات بأن "العدو" جعله الهدف الأول، وأسرته الهدف الثاني، مضيفاً أنهم "يريدون القضاء على أوكرانيا سياسياً عبر القضاء على رئيس الدولة".