* حسين هزاع المجالي
ثمة من يرى أن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب سيقود الولايات المتحدة إلى «المجهول»، بالنظر إلى شخصيته الجدلية وإلى ما أطلقه من تصريحات، إبان الحملة الانتخابية، التي منها ما قد يبدو متناقضا أو متشابكا تحديدا تلك المتعلقة بمنطقتنا العربية.
انتخاب ترامب شكل صدمة للكثيرين، الذين ظلوا يستقون معلوماتهم من استطلاعات الرأي التي أظهرت إلى ما قبل الانتخابات بيوم واحد تقدم كلينتون على منافسها ترامب.
غير أن النتيجة جاءت معاكسة لتفتح الباب واسعا لدراسة وتحليل أسباب فوز ترامب، والأسباب التي دفعت الناخبين إلى اختيار من يصنف على أنه يميني يحمل أفكارا ، ضد المرأة والمهاجرين والمسلمين بشكل عام.
إن فوز ترامب بما يوصف على أنه يميني، وانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتأثير مباشر من اليمين الانجليزي على البريطانيين الذين صوتوا لصالح الانسحاب يزيد من التخوف من أن نشهد مستقبلا نوعية من الزعامات الدولية على هذه الشاكلة.
وما يدفع إلى مثل هذا التخوف أن أحزابا يمينية في بعض دول أوروبا مثلا بدأت تمارس نوعا من التأثير على الرأي العام، مستغلة قضايا اللاجئين والتطرف وغيرها، ما يعني أنه من الممكن أن تنجح مثل تلك الأحزاب في الوصول إلى سدة الحكم، عندها لنا أن نتساءل عن مستقبل علاقات تلك الدول مع دولنا العربية ومع قضايانا الضاغطة.
بالعودة إلى فوز ترامب، فإن نظرة سريعة إلى تصريحاته قبل الفوز بالرئاسة وتلك التي أدلى بها بعد الفوز من الممكن أن تؤشر إلى الصورة التي ستكون عليها سياسته الخارجية في كثير من الملفات التي تهم منطقتنا على الأقل:
أولا: محاربة الإرهاب والقضاء على داعش.
ثمة من وصف إدارة أوباما بأنها مترددة في التعامل مع هذا الملف الحساس والهام، بل إن ترامب اتهم منافسته هيلاري كلينتون بأنها ساهمت في انتاج عصابة داعش، لذا جعل محاربة الإرهاب والقضاء على داعش أولوية بالنسبة إليه.
إن محاربة الإرهاب والقضاء على داعش لم تكن تحتاج إلى أكثر من إرادة سياسية وعمل دولي جاد، فإذا ما وفرت إدارة ترامب تلك الإرادة فإننا حتما سنكون أمام خبر يذكر عصابة داعش على أنها أصبحت من الماضي.
إن الظرف الآن موات للقضاء على داعش في العراق وسوريا، فالقوات العراقية وحلفاؤها تشن حربا عليهم في الموصل والقوات السورية والروسية وحلفاؤهما يشنون حربا مماثلة على العصابة في حلب وغيرها من الأراضي السورية، لذا فإن الحاجة تكمن في تنسيق الجهود الدولية وتوسيع دائرة الحرب لتشمل جميع أوكار الإرهابيين أينما وجدوا.
ثانيا: الموقف من الأزمة السورية:
كما أن تصريحات ترامب تؤكد أن تغيرا سيطرأ على سياسة الولايات المتحدة في الملف السوري، فهو يرى أن «تغيير النظام السوري لا يتسبب إلا في إحداث مزيد من الاضطرابات في الشرق الأوسط،..، وأن مساندة حكومة الأسد هي أفضل طريق لإزاحة التطرف الذي ترعرع في الفوضى التي أحدثتها الحرب الأهلية في سوريا».
موقف ترامب هذا يعد انقلابا على مواقف إدارة أوباما من الأزمة السورية التي ظلت متمسكة بدعم المعارضة السورية.
يقول ترامب لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية بعد فوزه بالرئاسة «على الولايات المتحدة قطع الدعم العسكري عن المعارضة السورية المسلحة»، فهي بالنسبة إليه مجهولة ودعمها سيضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع روسيا التي «لن تتخلى عن الأسد».
ثالثا: ترميم العلاقة مع روسيا
إن موقف الرئيس الأمريكي المنتخب المختلف عن سلفه من الأزمة السورية ينعكس بالضرورة على العلاقة مع روسيا صاحبة اليد الطولى في الملف السوري؛ فترامب بدا واضحا في أن مساندة المعارضة السورية تضع الولايات المتحدة في مواجهة مباشرة مع روسيا، وهو الذي يسعى إلى ترميم علاقات بلاده بروسيا، وهو الموقف الذي استقبلته موسكو بايجابية عندما رحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بفوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية مبديا استعداده ترميم العلاقة مع واشنطن.
رابعا: الموقف من إيران
إن التشابك في مواقف ترامب يظهر جليا في موقفه المتشدد من إيران التي قال إن من أولوياته إلغاء الاتفاق الذي وقعته الدول العظمى معها حول برنامجها النووي، فهو اتفاق «كارثي» من وجهة نظره.
هذا الموقف استقبلته وزارة الخارجية الأمريكية من ناحية امكانية الإدارة الأمريكية الجديدة إلغاءه فهو ليس ملزما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن تصريح ترامب هذا يحتاج من إدارته أن تضمن أولا عدم استمرار طهران في انتاج سلاح نووي، وبالتالي لجمها عن تشكيل خطر على دول الجوار والتدخل في شؤونها الداخلية، كما لا بد أن تضمن رسم علاقة واضحة معها بما يفك الاشتباك الحاصل في رؤية ترامب حيال الأزمة السورية لما لإيران من يد ضالعة فيما يجري على الأرض السورية.
موقف الإدارة الجديدة من طهران، من شأنه أن تستقبله بعض دول الخليج العربي بإيجابية، غير أن الخلاف والتشابك سيكون حيال الموقف من الأزمة السورية التي تختلف فيه رؤية ترامب عن رؤية بعض دول الخليج العربي ما يستدعي من الولايات المتحدة الأمريكية أن ترسم طريقا واضحا يطمئن إليه الجميع في المنطقة وعلى الأخص الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في المنطقة.
خامسا: العلاقة مع الأردن
بالنسبة إلينا، لم يكن لدينا ذلك الهاجس أو التخوف الذي لدى غيرنا من فوز ترامب أو كلينتون برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، فالأردن يرتبط بعلاقات تاريخيا مع واشنطن وبغض النظر عن شخصية وخلفية من يجلس على كرسي البيت الأبيض.
كما أن جلالة الملك يحظى باحترام وثقة الأمريكيين، وهو الذي تربطه علاقات متشعبة مع عدد كبير من السياسيين والاقتصادييين والأكاديميين الأمريكان، ما يعني أن استمرار العلاقة مع واشنطن واستقرارها أمر محسوم وهو ما عبر عنه دونالد ترامب بشكل واضح عندما قال إنه يتطلع إلى التعاون مع الملك عبد الله الثاني من أجل محاربة الإرهاب.
إن مكافحة الإرهاب مثل ما هي أولوية بالنسبة لترامب، فهي أولوية بالنسبة للأردن الذي انخرط منذ البدء بالجهود الدولية في مكافحة الإرهاب، لذا فإن رؤية جلالة الملك في مكافحة الإرهاب وضرورة التحرك الدولي باتجاه القضاء عليه عبر مخطط شمولي من الممكن أن تكون أول الملفات التي تتقاطع فيها الرؤيا الأردنية مع رؤية الرئيس الأمريكي المنتخب حيال ذلك.
بيد أن لدى الأردن أيضا أولوية متعلقة بالقضية الفلسطينية، فلطالما عبر جلالة الملك أن التوتر الحاصل في المنطقة هو نتيجة لعدم إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية، ما يعني أن تصريحات ترامب المتعلقة بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس من شأنها أن تزيد من التوتر وأن تقضي على الطموح بايجاد حل قائم على مبدأ الدولتين.
لذا فإن المطلوب من الإدارة الأمريكية الجديدة أن تعمل بشكل جدي باتجاه إيجاد حل يرضي جميع الأطراف، وهذا يتطلب أولا أن لا يمضي السيد ترامب قدما في تنفيذ ما تعهد به.
على العموم، إن كان ثمة توقع حيال مستقبل العلاقة الأردنية الأمريكية في ظل إدارة واشنطن الجديدة، فإن التوقعات تذهب باتجاه مزيد من التعاون والتنسيق الذي لا شك أنه سيصب في مصلحة الدولتين.
بالتالي يمكن القول إن مثل ما في تصريحات ترامب من غموض، فإن فيها ما هو أكثر وضوحا مما كانت عليه إدارة أوباما تحديدا تلك المتعلقة بمحاربة الإرهاب والقضاء على عصابة داعش.