أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

كيف يضر تجاهل أمريكا لاستبداد مودي وعنصريته الهند كلها وليس مسلميها فقط؟

مدار الساعة,أخبار عربية ودولية,رئيس الوزراء,رئاسة الوزراء,وزارة الخارجية,مواقع التواصل الاجتماعي,وسائل التواصل الاجتماعي
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - بينما تشهد الهند تراجعاً في الديمقراطية وصل لتأليه البعض لرئيس الوزراء ناريندا مودي ومطاردة للمعارضين وحملات عنصرية ضد المسلمين تهدد بوقوع إبادة جماعية، يعزز الغرب علاقته بنيودلهي وسط تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند للمسلمين وتآكل ديمقراطيتها، فلماذا أصبح مودي محصناً ضد انتهاكات الغرب وكيف سيؤثر ذلك على مصالح الغرب ومستقبل الهند؟

وتوسعت الحملة ضد الحجاب في الهند التي يمثل المسلمون نحو 14% من سكانها البالغ عددهم نحو 1.4 مليار نسمة، حيث حظرت العديد من كليات المرحلة التحضيرية للجامعة في ولاية كارناتاكا (جنوبي الهند)، الأربعاء 16 فبراير/شباط 2022، الطالبات المحجبات من الالتحاق بها ما لم يخلعن الحجاب، وذلك بعد أن أعادت الكليات فتح أبوابها بعد إغلاق دامَ أسبوعاً وسط الخلاف حول حظر الحجاب؛ ما دفع عدداً منهن إلى الخروج للتظاهر رفضاً للقرار والامتناع عن الدراسة.
ورصد مقطع فيديو انتشر بمواقع التواصل الاجتماعي، الإثنين 14 فبراير/شباط، إجبار الطالبات المحجبات على خلع الحجاب قبل دخول المدرسة، في ولاية كارناتاكا الهندية، بينما يحاول أولياء أمورهن إقناع المدرسة بالسماح للطالبات بدخول المدرسة بحجابهن دون جدوى.
ومؤخراً، قضت المحكمة العليا في ولاية كارناتاكا بمنع الطالبات من ارتداء الملابس الدينية حتى تصدر حكماً نهائياً في هذا الشأن.
في ولاية أوتار براديش، شمال البلاد (أكبر ولايات البلاد من حيث عدد السكان)، توجّهت مجموعة تضم أكثر من 24 من الشباب إلى كلية دهارما ساماج في منطقة أليجرا، في 14 فبراير/شباط، وقدمت مذكرة إلى المسؤولين تطالب فيها بفرض حظر كامل على الحجاب داخل مبانيها.
إحدى المفارقات أن المطالبين بحظر الحجاب في المدارس والجامعات يقولون إن السبب هو الفصل بين الرموز الدينية والأماكن العامة، في بلد يحكمه حزب هندوسي متطرف فرض الطابع الديني على كل مناحي الحياة، ويؤله بعض قيادته رئيس الحزب ناريندا مودي، ويعيد صياغة التاريخ بنظرة هندوسية متطرفة تصل إلى رغبته في استبعاد ضريح تاج محل أجمل أثر في العالم تقريباً من مكانته كجزء من التراث الهندي.
وكان شيفراج سينغ شوهان رئيس وزراء ولاية غوا ثاني أكبر ولاية بالبلاد، قد قال خلال زيارة رئيس الوزراء الهندي مودي للولاية إن مودي شخصية خارقة، ويحمل سماتٍ إلهية.
شيفراج سينغ شوهان قال خلال زيارة لولاية غوا، وبعد أن أتيحت له الفرصة للإشادة برئيس الوزراء
سلسلة من الإجراءات التمييزية
ولكن مأساة الحجاب لا تمثل سوى نقطة في بحر مظالم المسلمين في الهند.
فلقد حشد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي وحزبه الحاكم "بهاراتيا جاناتا" قاعدتهما القومية الهندوسية جزئياً من خلال الدفع بمبادرات تضع أكثر من 200 مليون مسلم بالبلاد في وضع غير مؤاتٍ.
ففي أغسطس/آب 2019، ألغت حكومة مودي المادة 370 من الدستور، والتي كانت تكفل الحكم الذاتي في جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة الوحيدة في البلاد ومن ثم تقسيمها إلى منطقتين تديرهما الحكومة الفيدرالية، وقطعت الإنترنت عن المنطقة واعتقلت سياسيين كانوا مؤيدين دوماً لفكرة أن كشمير جزء من الهند.
كما أصبح الملايين من المسلمين مهددين بتجريدهم من جنسيتهم بسبب ما يعرف بقانون المواطنة، الذي تم سنُّه مؤخراً في البلاد ومهّد الطريق لحصول المهاجرين غير الشرعيين من أفغانستان وباكستان وبنغلاديش على الجنسية، بينما استبعد المسلمين، بشكل عنصري من هذا القانون.
وتقوم سياسة مودي على لفت انتباه الهنود بعيداً عن مشاكل الهند الحقيقية مثل الفقر والتنمية إلى إضرام العداء بين الهندوس والمسلمين، وجعل المسلمين بمثابة عدو للهند.
وتمتلئ وسائل التواصل الاجتماعي الهندية اليوم بمقاطع فيديو لأناس نصبوا أنفسهم حماة للهندوسية يطالبون بإعدام المسلمين دون محاكمة، وهو عمل شائع، لدرجة أنه لم يعد يصنع أخباراً بعد الآن.
ونادراً ما يتم حجز أتباع التفوق الهندوسي البارزين بسبب خطاب الكراهية. ويتعرض المسلمون بشكل روتيني لهجمات عشوائية؛ لقيامهم بنقل الماشية أو الوجود برفقة نساء هندوسيات.
ومؤخراً، دعت بوجا شكون باندي، العضو البارز في اليمين الهندوسي مؤيديها لقتل المسلمين و"حماية" البلاد.
وقالت: "إذا أصبح 100 منا جنوداً ومستعدين لقتل مليوني (مسلم)، فسننتصر.. نحمي الهند، ونجعلها أمة هندوسية".
في بعض الأحيان، يكون الاستفزاز ببساطةٍ نتيجة أن شخصاً تبدو عليه مظاهر أنه مسلم بشكل واضح، كما قال مودي نفسه في التجمعات الانتخابية، يمكن التعرف على الأشخاص "الذين يخلقون العنف" من خلال ملابسهم.
كما فرض قادة الأحزاب في عدد من الولايات الهندية قوانين لحظر تحويل الديانة من خلال الزواج، باستخدام مصطلح "جهاد الحب"، الذي لا يدع مجالاً للشك في من تستهدف هذه الإجراءات.
مجلة أمريكية تحذر من خطر الإبادة الجماعية
أما مأساة المسلمين في ولاية آسام الشمالية، فلقد دفعت مجلة Time الأمريكية للتساؤل حول ماذا إذا كانت الهند تتجه نحو إبادة جماعية ضد المسلمين، بعد حملة إخلاء حدثت قبل عدة أشهر بالولاية أدت إلى رعب وأعمال قتل نفذتها الشرطة والجيران الهندوس ضد المسلمين.
إذ ركزت بعض أشد الإجراءات الهندية صرامة على ولاية آسام، حيث يشكل المسلمون نحو ثلث السكان. في صيف عام 2019، نزعت مراجعة المواطنة الجنسية من أكثر من مليوني شخص من سكان آسام البالغ عددهم 33 مليون نسمة، كثير منهم فقراء ومسلمون.
وتحت قيادة هيمانتا بيسوا سارما، رئيس الوزراء في ولاية آسام، طردت الحكومة قسراً مئات أو ربما الآلاف من الأشخاص الذين وصفتهم بأنهم أجانب مشتبه بهم، وهي جماعة تقول جماعات حقوق الإنسان والسكان المحليون إنَّ غالبيتها من المسلمين.
وأعلنت حكومته مؤخراً عن خطط لإعادة توزيع تلك الأراضي على "السكان الأصليين" في الولاية. ويطلب قادة الحزب بالفعل من سارما تنفيذ مزيد من عمليات الإخلاء وبناء المشروعات الزراعية على الأراضي المأهولة.
تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند للمسلمين
وأصبحت ولاية آسام مختبر مودي الكبير، قبل أن يأخذ هذه المأساة إلى المستوى الوطني. يقول حزب بهاراتيا جاناتا إنه يريد ببساطةٍ أن تتخلص الهند من "المهاجرين البنغلاديشيين"، لكنه يستخدم هذه القضية للإشارة للمسلمين الهنود جميعاً.
وحالياً هناك ما يقرب من مليوني شخص محرومون من حق التصويت في الولاية، مع عدم وضوح ما سيحدث لهم.
ما تفعله الحكومة الهندية اليوم يشبه ما فعلته ميانمار من حرمان جماعي للروهينغا في عام 1982 من حق التصويت قبل أن تبدأ المذابح والنزوح الجماعي بعد ذلك بسنوات، حسب مجلة Time.
ورغم المؤشرات على تراجع معدل الزيادة السكانية لدى المسلمين، يشير أعضاء حزب بهاراتيا جاناتا الآن إلى المسلمين الهنود على أنهم "نمل أبيض" يأكلون موارد الهند، ويحرم الهندوس مما يستحق لهم في أرضهم، وتذكّر هذه الطريقة بنعت اليهود في ألمانيا النازية بـ"الجرذان"، وعندما كان يطلق على التوتسي في رواندا بالتسعينيات "الصراصير" قبل أن يتم تنفيذ جرائم إبادة جماعية بحق المجموعتين.
نجوم بوليوود عرضة للهجوم
ولم ينجُ نجوم بوليوود المسلمين من الحملة التي توسعت أيضاً لتشمل أي نجوم يعترضون على سياسات الحزب الحاكم.
وقالت ممثلة هندية إن الهند نالت استقلالها عام 2014، في إشارة لتولي ناريندرا مودي رئاسة الوزراء في ذلك العام، بينما يتعرض شاروخان وغيره من نجوم بوليوود المسلمون للاضطهاد، بحسب مراقبين.
وبات المدافعون عن حقوق الإنسان في البلاد، والجماعات الأيديولوجية التي تختلف مع الدولة تتعرض للتهديد المستمر، حسب شبكة حقوق الإنسان في جنوب آسيا التي قالت إن التضييق على المجتمع المدني والمعارضة في الهند قد جعل البلاد مكاناً خطيراً على الأقلية المسلمة.
تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند للمسلمين
والمشكلة في الهند لم تعد تقتصر على المسلمين أو الفنانين أو جماعات حقوق الإنسان، فالديمقراطية في الهند مهددة بسبب خليط من سياسات الحزب الحاكم الإقصائية والتي تجمع بين اضطهاد المسلمين وتأليه مودي وتشويه أي مختلف وفرض رقابة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، مع انقسام وضعف غير مسبوق للمعارضة السياسية.
ويظهر أثر ضعف الديمقراطية في الهند في انحياز القضاء ضد المسلمين، وهو المؤسسة التي كان ينظر لها على أنها معقل للديمقراطية الهندية.
الخارجية الأمريكية تثبت جرائم حزب مودي، ولكن ترفض إدانته!
لم يُبدِ الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، أي تحرُّج من تبنّي رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، رغم المعروف عنه كونه قومياً هندوسياً متطرفاً منعته الولايات المتحدة ذات مرة من دخول أراضيها بسبب "انتهاكاته الجسيمة للحرية الدينية" خلال فترة حكمه لولاية غوجارات.
أما الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، الذي كان تعهدَ بوضع حقوق الإنسان في "مركز" سياسته الخارجية، فكان يتوقع أن تكون سياسته مع مودي مختلفة.
ولكن بايدن خيَّب آمال مؤيدي حقوق الإنسان في هذا الملف بشكل كبير.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تجاهلت وزارة الخارجية الأمريكية توصيةً من لجنة حكومية مستقلة بإدراج الهند في "القائمة الحمراء" للبلدان المتورطة في انتهاكات "منهجية ومستمرة وصارخة" للحريات الدينية، للعام الثاني على التوالي، حسبما ذكر موقع Axios الإخباري الأمريكي.
واللجنة التي قدمت هذه التوصية هي لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية (USCIRF)، وهي لجنة اتحادية ثنائية الحزب ومستقلة. لمدة عامين على التوالي، أوصت هذه اللجنة بإدراج الهند كدولة ذات أهمية خاصة في هذه المسألة إلى جانب 13 دولة أخرى.
كانت الحجة أن الهند حليف مهم للولايات المتحدة ومع ذلك، فرغم أن السعودية حليف مهم لواشنطن وأكبر عميل لأسلحتها، فإنها أدخلت إلى القائمة.
الأمر الذي أثار تساؤلات، حول لماذا لا يتم تصنيف الهند كدولة مثيرة لقلق خاص في مجال حقوق الإنسان، وفرض عقوبات على وكالاتها ومسؤوليها، كما أوصت USCIRF، بسبب انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان والدينية؟
المشكلة أن رفض الخارجية الأمريكية ووزير خارجيتها لتصنيف الهند كدولة مثيرة لقلق خاص يتعارض مع موقفها الموثق من ممارسات الهند.
فقبل سبعة أشهر فقط من هذا الرفض لإدانة الهند، صدق وزير الخارجية الأمريكي على تقرير الحرية الدينية العالمي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية والذي اتهم نيودلهي بالاضطهاد الديني الشديد.
واحتوى على تقارير دامغة من الأرض تشير إلى تورط أعضاء من حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي والشركات التابعة له من منظمة راشتريا سوايامسيفاك سانغ (RSS) القومية الهندوسية البالغة من العمر 96 عاماً في اضطهاد الأقليات الدينية، وخاصة المسلمين والمسيحيين.
في الحقيقة، عاماً بعد عام، أدانت الخارجية الأمريكية الهند، فلقد أصدرت تقريراً عالمياً عن حقوق الإنسان يسجل "قضايا حقوقية مهمة" في الهند، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء على أيدي الشرطة، والتعذيب، والاعتقال والاحتجاز التعسفيين، والعنف ضد الأقليات، والاعتقالات غير المبررة أو مقاضاة الصحفيين، والرقابة ومنع المواقع.
بايدن يلتقي مودي بالتزامن مع تراجع تصنيف الهند في الديمقراطية
ومع ذلك، بعد أسابيع فقط من توليه منصبه، اختار الرئيس الأمريكي جو بايدن مودي كواحد من أوائل قادة العالم الذين التقوا بهم. ومن المفارقات أنه قبل أيام قليلة من اجتماع بايدن-مودي الافتراضي، أصدرت منظمة الأبحاث فريدوم هاوس تقريراً وثقت فيه تراجع الديمقراطية في الهند من "حرة" إلى "حرة جزئياً".
كما التقى القائم بالأعمال الأمريكي في الهند آنذاك أتول كيشاب، وهو أمريكي من أصل هندي، برئيس خدمة RSS موهان بهاغوات، الذي لا يشغل منصباً حكومياً، لكنه يرأس البنية الفوقية للاضطهاد الديني في الهند ويدعو إلى تحويل الهند إلى أمة هندوسية، حيث ناقشا "تقاليد الهند في التنوع والديمقراطية والشمولية والتعددية".
في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بعد أسابيع من استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، سافرت نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، نائبة وزير الخارجية الأمريكية إلى نيودلهي ووجهت التحية على الفور إلى الهند والولايات المتحدة باعتبارهما ديمقراطيتين "مزدهرتين".
لكن بايدن وهاريس وأوستن وبلينكين وشيرمان وكيشاب فشلوا في إجراء أي حوار جوهري حول هجوم الهند على الديمقراطية في اجتماعاتهم مع مودي ووزيري الخارجية والدفاع ومستشار الأمن القومي وكبار الدبلوماسيين وباغوات.
لم تدعُ الولايات المتحدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قمة الدول الديمقراطية التي عقدتها في ديسمبر/كانون الأول 2021، بينما دعت مودي الذي مُنع من قبل من دخول أمريكا، وتقوم سياسته على اضطهاد المسلمين للقمة، رغم أن تقارير وزارة الخارجية الأمريكية تظهر أن تراجع الديمقراطية في الهند يتعارض مع أجندة القمة المتمثلة في "الدفاع ضد الاستبداد؛ معالجة الفساد ومكافحته؛ وتعزيز احترام حقوق الإنسان التي تعبر عن القمة".
وفي يوليو/تموز 2021، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن الديمقراطية الهندية هي "قوة للخير في الدفاع عن منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمنفتحة. عالم حر ومفتوح".
وعلقت صحيفة Global Times الصينية بأن بعض السياسيين الأمريكيين الذين غالباً ما يتحدثون عن حقوق المسلمين (لم تذكر أنهم يحدثون تحديداً عن اضطهاد الصين للإيغور)، مثل ماركو روبيو وكريس سميث، قد أغلقوا شفاههم على معاملة المسلمين في الهند.
لماذا تتجاهل أمريكا ملف الهند الحقوقي؟
ليس صعباً تخمين أسباب تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند للمسلمين وتراجع ديمقراطيتها وممارستها ضد الأقليات والمعارضة.
الهند دولة مهمة وكبيرة، ولكن زادت أهميتها مع صعود رغبة أمريكا في احتواء الصين، كأن واشنطن ستدع العالم يحترق بسبب هذا الهدف الذي لن يتحقق في الأغلب.
ترى واشنطن أنه يمكنها إيجاد قوة موازنة لبكين عبر جارتها نيودلهي التي تعد ثاني أكبر قوة عسكرية وسكانية في آسيا ونمراً اقتصادياً محتملاً يمكن أن يستقبل الاستثمارات الغربية بدلاً من بكين، ولهذا ضمت الهند لمجموعة كواد الرباعية الهادفة لاحتواء بكين والتي تضم أيضاً الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.
كما أبدت واشنطن استعداداً غير مسبوق لتزويد الهند بالأسلحة بما في ذلك خطط للسماح بإنتاج طائرات إف 16 وإف 18، وقيل حتى إف 35 الشبحية إذا اختارت الهند أياً منها ضمن مناقصة عسكرية ضخمة تعتزم تنظيمها.
ولكن المشكلة أن ترك الديمقراطية تتراجع في الهند لن يخدم على الإطلاق أهداف واشنطن ومنها احتواء الصين.
تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند للمسلمين سيلحق ضرراً لاحقاً بنيودلهي نفسها
تركز إدارة بايدن على أن عملية احتواء الصين وروسيا يجب أن تقوم على فكرة معاداة الاستبداد والعنصرية اللذين ليس فقط مرفوضين لذاتهما فقط، بل لأنهما مفيدان لبكين وموسكو أيضاً.
ليس هناك شك في أن أغلب الدول الاستبدادية في العالم معجبة بنموذجي الصين وروسيا وأن اليمين المتطرف في الغرب وبعض اليمين المحافظ معجب بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحديداً.
وبالتالي فإن تعزيز الاستبداد واضطهاد المسلمين في الهند أو أي أقلية بأي دولة هو في صالح الأجندة الاستبدادية الصينية الروسية، حتى لو تصادف أن الهند عدو للصين.
والأهم أن تجاهل أمريكا والغرب لاضطهاد الهند للمسلمين يضرب في مقتل مصداقية واشنطن، حينما ترفع صوتها عالياً، منددة باضطهاد بكين للإيغور أو تراجع الديمقراطية في هونغ كونغ.
ولكن حتى من وجهة نظر مصالح الهند، فإن ترك أمريكا لمودي يتمادى في اضطهاده للمسلمين واستبداده وخططه لإضعاف الديمقراطية مضر لمستقبل نيودلهي نفسها.
فالرجل الذي بدأ استبداده بقمع الأقليات سيتوسع ظلمه يوماً ليشمل قمع الأغلبية.
والهند في النهاية دولة متنوعة، لا تنقسم فقط إلى هندوس ومسلمين وسيخ ومسيحيين، ولكن أيضاً إلى شمال ذوي أصول آرية من ذوي البشرة الفاتحة وجنوب درافيديين أصحاب بشرة داكنة، إضافة إلى عشرات اللغات والقوميات.
وبالتالي التشنج الناتج عن اضطهاد المسلمين والذي يبدو أنه يوحد أغلبية البلاد الهندوسية حالياً ضد هذه الأقلية المغلوب على أمرها، يمكن أن يتحول لتوتر بين مكونات الهند الأخرى، وخاصة أن تاريخ البلاد مليء بالخلافات والتباينات.
لقد نجت الهند منذ استقلالها من التفتت وحققت نجاحاً اقتصادياً وسياسياً لا بأس بها، بفضل ديمقراطيتها بشكل أساسي، ولكن دولة بحجم وتنوع الهند يمثل الاستبداد أو التطرف خطراً عليها.
فالعنصرية الهندوسية قد تتحول يوماً إلى عنصرية شمال ضد جنوب، أو عنصرية الطبقات الهندوسية العليا ضد الطبقات الدنيا.
ورغم أنه ما زال الاضطهاد الصيني للإيغور أشد قسوة من الاضطهاد الهندي للمسلمين، إلا أنه يجب تذكر، أن الولايات المتحدة قادرة على ممارسة ضغط على حليفتها الهند لتقليل أو وقف اضطهادها للمسلمين، ولكنها غير قادرة على فعل ذلك مع الصين، بل على العكس الحساسية بين بكين وواشنطن وطبيعة النظام الصيني قد تجعله يضطهد الإيغور أكثر بسبب تصريحات الغرب.
وبالنظر لحاجة الهند لدعم واشنطن الاقتصادي والعسكري أمام القوة الصينية المتنامية، فإن تجاهل أمريكا لاضطهاد الهند المسلمين، هو سلبية في ملف يمكن أن يكون لتصرفات واشنطن فعالية حقيقية، وليس مجرد تصريحات جوفاء.
الأمر الذي يثير تساؤل، هل تفتح واشنطن ملف الإيغور، فقط نكاية في الصين، وتتجاهل ملف الديمقراطية الهندية أيضاً من أجل الصين، وأليس هذا أبلغ دليل على أن الازدواجية الغربية تتلقى دفعة جديدة في عهد بايدن الذي جاء ليقدم نفسه باعتباره ذروة الرسالية الغربية في حقوق الإنسان.
مدار الساعة ـ