بإغلاق المحكمة الاتحادية العراقية, ملف «ترشّح» القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني/البارتي بزعامة رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. إثر صدور قرارها بـ«منع» ترشّحه للمنصب...«حالياً ومُستقبلاً». يُفتَح المشهد العراقي على أزمة مُتدحرجة تلحظ استعداداً لدى القوى المتنافسة، بل يصحّ القول المتربصة ببعضها، على أسئلة بلا أجوبة, وبخاصّة بوجود «دعوى أخرى» لدى المحكمة نفسها ضدّ قرار رئاسة البرلمان «فتْح» باب الترشّح مجدداً لمنصب الرئاسة. رأى فيه خصوم الحزب الديمقراطي الكردستاني والأحزاب المتحالفة معه (التيار الصدري, تحالف السيادة المكون من كتلة رئيس البرلمان/تقدّم وكتلة خميس الخنجر/عزم)، أنّ القرار محاولة لترشيح كردي آخر بديلاً لزيباري (تروج شائعات أنّه وزير الخارجية فؤاد حسين)، إذا «لم» تقبل المحكمة الاعتراض الذي قدّمه نواب من «الإطار التنسيقي», بما هو التحالف الشيعي المنافس/المُعارض للكتلة الصدرية التي تدعم بقوة مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني.
العراق:«استِبعاد» هوشيار زيباري.. هل يُنهي «أزمة الرِئاسة»؟
مدار الساعة ـ
حجم الخط
وبصرف النّظر عن ردّ الفعل الغاضِب الذي أبداه هوشيار زيباري على قرار المحكمة, مَنعَه من الترشح حتّى مستقبلاً للموقع الرئاسي, عندما اعتبر/زيباري قرار المحكمة «مُسيّساً», واصفاً إياه بـ«غبن وظلم», قائلاً أنه:ليس نهاية العالم، ما فُهم منه أنّه قد يتولّى مواقع قيادية رفيعة في إقليم كردستان، وهو أمر لم تمنعه المحكمة, إذ اقتصر قرارها على الموقع الرئاسي، فإنّ من الواضح اتّساع الهوّة بين أكبر حزبين كرديين, تقاسماً السلطة بعد معارك السنوات الثلاث العنيفة (1994-1996), سعى خلالها كلّ منهما للاستعانة بصديق/حليف, إذ سارع بارزاني إلى طلب العون من الحكومة المركزية في بغداد، فيما ذهب الاتحاد الوطني ورئيسه/«مام» جلال طالباني باتجاه واشنطن لنيل دعمها.
افترَق المتحالفان.. آخذاً كل منهما مساراً مغايراً وبخاصّة بعد رحيل مام جلال, لكن «تفاهمهما» الذي أخذ صفة العُرف أكثر مما كان مؤطراً ضمن اتفاقية مكتوبة وملزمة، اهتز أخيرا بعدما تقدّم الحزب الديمقراطي بمرشّحِه/هوشيار زيباري لخلافة الرئيس الحالي برهم صالح, المرشح المدعوم من حزب الاتحاد الوطني/طالباني. ما خلق أجواء من الصراع/العداء بينهما لم يتردّد زيباري عن اعتبار الذين قدّموا الاعتراض للمحكمة بعدم أهليته للترشّح (حيث لا يتوفر فيه شرط أن يكون المرشح حسن السُمعة والاستقامة), بأنّهم «أربعة»، ثلاثة منهم أعضاء في الاتحاد الوطني الكردستاني..وهم «خصوم لنا» كما قال.
هنا برزت مسألة ذات أهمية خاصة بتقديم الرئيس الحالي برهم صالح طلباً لترشيح نفسه لمنصب الرئاسة، ما أثار المزيد من الأسئلة عن «السرّ» الذي دفعه لخوض معركة «خاسِرة» كهذه، خصوصا وأنّ التحالف الداعم لمرشح الحزب الديمقراطي, يتوافر على أغلبية عددية لا يمكن تجاهلها (155 مقعداً من أصل 329).. وهو تحالف بين أكبر كتلة برلمانية وشيعية أيضاً (التيار الصدري/76 والديمقراطي الكردستاني/37 وتحالف السيادة السُنَّي الحلبوسي والخنجر/45 مقعداً), ما يُؤهله «فرض» بعد انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية, التي تشترط للنصاب توفّر ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 ناخباً, تحتاج جلساته اللاحقة فقط إلى الأغلبية البسيطة (النصف زائداً واحداً).
صحيح أنّ الدستور العراقي نصّ على أنّ رئيس الجمهورية يجب أن يُنتخب بعد «15» يوماً» من انتخاب رئيس البرلمان، وصحيح أنّ محمد الحلبوسي انتُخبَ في التاسع من الشهر الماضي, إلا أنّ الخلاف المتدحرج الذي وصل قوس المحكمة الاتحادية, عبر الاعتراض على ترشح زيباري، حال دون ذلك, غير أنّ المحكمة التي انتبهت إلى «إشكالية» كهذه، قرّرت استمرار الرئيس الحالي برهم صالح في موقعه لحين انتخاب رئيس جديد، ما يؤشر، ضمن أمور أخرى، إلى أنّ الأزمة العراقية مُتواصلة بإيقاع وقضايا عديدة/مُتناسلة إلى حين إيجاد حلّ لأكثر القضايا الخلافية، أوّلها مُشاركة «الإطار التنسيقي» في الحكومة الجديدة، حيث يصرّ زعيم التيار الصدري/مقتدى الصدر على رفض مشاركة أحد مكونات هذا الإطار وهي كتلة «ائتلاف دولة القانون» برئاسة نوري المالكي/33 مقعداً, إذ لم يَغفر الصدر للأخير حملته العسكرية الشهيرة التي شنّها على أتباع الصدر في مدينة البصرة عندما كان رئيساً للوزراء, أسماها «صولة الفرسان» في مثل هذه الأيام (آذار/2008).. إضافة بالطبع إلى المعضلة الكردية المتمثلة في الصراع المحتدم بين حزب بارزاني وحزب طالباني حول المنصب الرئاسي, الذي رام من ورائه الحزب الديمقراطي الكردستاني «كسر» العُرف الذي ساد المشهد العراقي كُردياً (بعد الاحتلال الأميركي), بأن يكون منصب رئيس العراق لحزب الاتحاد الوطني، فيما تؤول رئاسة إقليم كردستان للحزب الديمقراطي/بارزاني.
الأزمة العراقية ببُعديها.. رئاسة الجمهورية، كما تشكيل الحكومة الجديدة, مفتوحة على احتمالات عديدة يصعب ترجيح أحدها على الآخر.. في ظل ظروف محلية مشحونة وإقليمية ودولية مُعقّدة.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي