إن سنة الله سبحانه وتعالى لكل الحضارات والأمم المتعاقبة ولكل دول العالم كانت وما زالت بين البقاء والفناء وكما نرى دولا تسقط ودولا تنهض وتزدهر وتتقدم، ومن ثم تندثر أو ستندثر، إذن؛ هي سنة الحياة؛ حيث قال ربنا عز وجل: «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس»، وهنا يذكر التاريخ النزاع والصراع العالمي والتنافس بين الروم والفرس وتوالي الصراعات هبوطاً وصعوداً بينهم وبين الدولة الإسلامية بكل خلفائها.
وهنا؛ فإن كل هذا يعتمد على رجالات الدول وشعوبها، فهناك رجال قد صنعوا التاريخ ورجال يأتي بهم التاريخ واندثروا ولم يبق لهم أي أثر، فكم هم الرجالات الذين يعيشون في قلوب البشر وعلى صفحات الأوطان، أو حتى على أولى صفحات الإنسانية جمعاء، لكن من هم هؤلاء الرجال؟
هم الذين عملوا على خدمة أوطانهم وتقدمها والحفاظ على حقوقها ومكتسباتها، وحذفوا من حياتهم كل المكتسبات والنزعات الشخصية وأبوا دناءة النفوس وخيانة الضمائر الوطنية والإنسانية، أولئك الرجال كانوا يفعلون ما يقولون، ولا يقولون ما لا يفعلون.
وبالمقابل؛ فإن البشر مسؤولون ومكلفون من خلال أعمالهم وسلوكهم أمام الله سبحانه وتعالى وأمام الوطن والمجتمع، وهي الفطرة الخلقية: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا).
وعليه، وإن كان الإنسان مسؤولا ولكن من طبعه إلقاء اللوم على الآخرين أو على النظام الذي يعمل من خلاله أو على من هو أعلى وأقوى منه ليبرر فشله وإخفاقات مرحلته، وهنا يجب أن نؤكد حقيقة أن للرجال سعيهم واجتهادهم وليس لهم التمني لا بالعمل ولا بغيره.
واليوم، وحيث تؤثر التكنولوجيا الحديثة والتطور العلمي تأثيراً مباشراً على الحياة وفي كل مجالاتها، فلا بد أن ترتقي الرجال إلى المزج بين العلم والتطور وتسطير تاريخ فتراتهم بتميز التطور الإداري الوطني المسلح بالتطور العلمي والتكنولوجي، وبخاصة عندما توضع وتوفر لهم كل الإمكانات، إضافة إلى الفطرة الربانية لهذا الكوكب التي جعلها الله المقر الصالح والبيئة المناسبة لعيش الإنسان، وهو الذي جعل فيها ومنها الأسباب والقوى والطاقات التي تسمح باستمرار حياة هذا الإنسان ونموه ورقيه.
إذن، الفكر الإداري والقيادي لرجالات التاريخ المتين الرزين المتماسك، هو المستند إلى المنطق الوطني وقواعد حاجياته وطموحه على أساس أن الإنسان هو أساس الإدارة والتميز، وهو الذي يصنع الدولة الوطنية الحديثة التي لا يجب أن تعتمد سياسة واحدة في كل مراحلها، بل إن رجالاتها هم الذين يمثلون استيعاب الوعي الاجتماعي العام، وهم الأوسع استيعاباً لمواقف الشعب والوطن، وهم أيضاً المراقبون للتحولات المجتمعية التي منها يبدأ العمل لصناعة شراكة القيم الوطنية وحماية الأعراف الوطنية.
اليوم.. ومع كل هذه التغيرات السريعة والمتسارعة من ثورة رقمية وتحديات وأزمات اقتصادية وبطالة تشكل الخوف الأكبر على الثقة الوطنية، أصبح من الضرورة أن نعي لتسهيل مرور القيادات الموهوبة التي تعلم كيف تسعى لتحقيق النجاح ضمن البيئة الحديثة ووسط ميادين قوى الأسواق المتحركة السياسية والاقتصادية والتنافسية، وفقاً لمصداقية وطنية أساسها الشجاعة الكافية رغم كل المخاوف والتحديات والأزمات التي تدور من حولنا، فالمصداقية هي القيادة الفاعلة والفعالة لتحقيق النجاح المستدام في كل المجالات والقطاعات.