الثقة بالحكومة مفقودة، وقد تكون هي أساس المشكلة مع المواطنين والمراقبين على حد سواء، وهذا مرده بالتحديد إلى الأحداث الاقتصاديّة التي تراكمت على مدى السنوات الماضية، والتي أدت مع كل أسف إلى انتزاع الثقة نزعا من الشّارع، وباتت الفجوة أكثر اتساعا مع مرور الوقت.
هذه الحكومة ليست المسؤولة عن فجوة الثقة، فهي ورثت شكلاً معقداً من التراكمات السلبية في العلاقة بين الحكومات والمواطنين سببها الرئيسي هو الشأن الاقتصادي.
نعم القضية الاقتصاديّة وتطوراتها كان لها الأثر البالغ في زيادة الفجوة بين الحكومة والشّارع، ولا أبالغ إذا قلنا إن الحكومات تتحمل جل أسباب تراجع الثقة مع الشّارع نتيجة لخطابها الإعلامي الاقتصادي التنموي “الفضفاض”، الذي ترك تداعيات سلبية في نفوس المواطنين وهم يقارنون بين ما وعدوا به في تلك الخطابات وبين ما حصل من نتائج على أرض الواقع.
الحكومات هي ذاتها من قالت للمواطنين إن رفع الدعم عن المحروقات سيساهم في تخفيض عجز الموازنة، والنتيجة المؤلمة ان العجز تضاعف كثيرا في الوقت الذي تم فيه الرفع على غالبية المشتقات.
والحكومات هي من قالت بأن الإصلاح الإداري يهدف إلى تطوير القطاع العام وزيادة رشاقته وحيويته في الأداء، والنتيجة تنفيذ خطة فاقمت عجز الموازنة بأكثر من نصف مليار دينار، مع زيادة هجرة الكفاءات، وتراجع مخيف في الإدارة العامة المحلية.
الحكومات هي ذاتها التي قالت بأن المساعدات الخارجيّة سيكون لها الأثر الكبير في عمليات التنمية المستدامة، والنتيجة حصولها على منح كبيرة غير مسبوقة صرفت على أوجه غير رشيدة لا تمتلك أي قيمة مضافة على الاقتصاد، فذهبت هباءً منثوراً، وبقي النموّ في أدنى مستوياته، والأكثر مرارة هو ارتفاع الدين العام بأكثر من الضعف خلال فترة وجيزة.
والحكومات هي من تعهّدت انه في حال انخفاض أسعار النفط عالميّاً، فإن ذلك سينعكس على تعرفة الكهرباء والمحروقات التي يدفع أثمانها المواطن والقطاع الخاص، والنتيجة أن أسعار النفط مُنذ نهاية العام 2014 وهي في تراجع وصلت نِسبته في بعض الفترات 70 بالمائة، والمواطن ما يزال يدفع أعلى تعرفة كهربائيّة وأثمان للمشتقات النفطيّة في المِنطقة تقريباً إن لم يكن الأعلى، وها هي اليوم تعود للارتفاع من جديد عالميا، مما سينعكس حتما وفورا على أسعارها المحليّة.
والحكومات هي ذاتها من بشّرت المواطنين بمشاريع كبرى على مدى سنوات عديدة مثل تحلية المياه، والباص السريع، والسكك الحديدية، وغيرها.
والحكومات هي من قالت إن صفقة نادي باريس التي استخدمت فيها عوائد التخاصيّة (1,6 مليار دينار) لِشراء الديون الخارجيّة هدفها تخفيض الدين العام ضمن استراتيجيّة واضحة، والنتيجة أن تمت الصفقة واستخدمت العوائد وارتفع الدين أضعاف مُضاعفة بعد عدة أشهر فقط عما كان عليه ما قبل الصفقة.
للأسف الواقع الفعليّ يتحدث بأن الحُكومات المُتعاقبة لم تبذل الجُهد الكافي لاستعادة ثِقة المواطنين، على العكس فقد أدارت ظهرها في كثير من الحالات وأخلفت وعودها التنمويّة تجاه المواطنين.
وهنا لا ألوم رئيس الحكومة والسادة الوزراء بعدم الظهور المتكرر على الإعلام، فإذا لم يكن هناك شيء ملموس وحقيقي فلا داعي للحديث، فقد مل الشّارع الحديث غير المسؤول الذي اشبعهم أملاً، وخذلهم على أرض الواقع.
كل ما نحن بحاجة إليه هو مشروع لاستعادة هذه الثقة، وهذا لا يكون إلا من خلال تطبيق سيادة القانون، والسير بنهج يعتمد على الكفاءة في التعيينات، وتعزيز مبدأ المحاسبة والتقييم والمساءلة في الخدمة العامة.
الغد