خمسة وعشرون مرشحاً لشغل منصب الرئيس في العراق، كلّهم من «الكُرد» وِفقاً وتكريساً للعُرف الذي ساد منذ الغزو الأميركي/البريطاني في عام 2003، والقاضي بأن يكون رئيس الجمهورية من الكرد، ورئيس البرلمان من «السُّنّة»، فيما تشغل شخصية «شيعية» رئاسة الحكومة, وبصرف النّظر عمّا إذا كانت هذه الصيغة التفتيتية قد استنفدت أغراضها, أو ربما لم تنضج الظروف بعد لإلغائها والعبور إلى صيغة أخرى, لا تنهض على أيّ تقسيمات طائفية/مذهبية أو عِرقية، وهي مسألة ما تزال خاضعة للنقاش وربما إعادة النظر فيها لاحقاً, نظراً لما خلّفته وتُخلّفه من خلافات وتباينات وصراعات تطفو على السطح عند كلّ دورة انتخابية برلمانية. كون البرلمان هو المرجعية المُولجة انتخاب رئيس الجمهورية كذلك رئيس الوزراء الذي يأتي من ترشيح/دعم الكتلة البرلمانية الأكبر، وهي حتّى الآن ما تزال موضع تجاذبات وحوارات وشروط واشتراطات, وغيرها من الأساليب التي يسعى كلّ طرف عبرها إلى تحسين شروط تفاوضه وتعظيم مكاسبه (أو تقليص خسائره)، خاصة بعد التحالف الثلاثي الذي تمّ بين الكتلة الصدرية (حازت على 73 مقعداً من أصل 329) وكتلة «تقدّم» برئاسة محمد الحلبوسي/37 والحزب الديمقراطي الكردستاني/بارزاني31, فيما تحصّل تحالف «عزم» بقيادة خميس الخنجر/على 14 مقعداً، أي أنّ التحالف الثلاثي الذي يمكن وصفه تجاوزاً.. تحالفاً شيعياً/كردياً/سُنياً يتوفر الآن على 155 مقعداً, ما يُؤهله لإيصال أيّ شخصية من بين أطرافه الثلاثة إلى المواقع الرئيسية الثلاثة رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان (وهو ما تمّ بانتخاب الحلبوسي لرئاسته) كذلك رئاسة الحكومة التي ما تزال حتّى اللحظة موضع خلافات حادّة بين المكوّن الشيعي, رغم استمرار الوساطات واللقاءات التي تقوم بها أطراف عراقية وأخرى إقليمية.
عندما «يختلِف» الكُرد.. أو: مَن سيرأس العراق: زيباري أم بَرهم؟
مدار الساعة ـ
حجم الخط
ما يعنينا هنا انتخابات «رئاسة الجمهورية» التي هي كما تواضع عليه العراقيون منذ 2003 من حصة كُرد العراق. إذ يبرز بين المُترشحين الـ«25».. اسمان هما.. هوشيار زيباري وزير الخارجية الأسبق، وبرهم صالح الرئيس الحالي/المُنتهية ولايته.
وإذ يتّكئ زيباري على أصوات التحالف الثلاثي سابق الذكر، فإنّ برهم صالح في الآن ذاته استطاع خلال فترة ولايته/المُنتهية أن يكرّس لنفسه حثيثية سياسية وشخصية مُعتبرَة باعتداله وحكمته وابتعاده عن آفة الانحياز والتعصب العرقي أوالمذهبي. وكان على الدوام نقطة جذب وربما يصحّ القول وسيطاً مقبولاً بين مُكونات وأحزاب وشخصيات متعددة الانتماءات والأهواء, والأكثر أهمية أنّه كان عراقياً قبل أيّ «هوى» طائفي أو مذهبي أو عِرقي.
هنا أيضاً تبرز القضية الأكثر أهمية وهي تصاعد/تعمّق الخلافات التي وصلت - في ما يبدو - حدود كسر العظم, بين أكبر حزبين كرديين «أمسكا» بالملف الكردي منذ العام 1975, وهو العام الذي انشقّ فيه جلال طالباني (الرئيس العراقي الراحل) عن الملّا مصطفى البارزاني مؤسساً لحزب حمل اسم «الاتحاد الوطني الكردستاني». شهدت بعده العلاقات بينهما صعوداً ونزولاً تخلّلته خلافات حادّة تدحرجت إلى مواجهات عسكرية كارثية على الطرفين وجمهورهما, انتهت بتسويات هشّة لكنّها كرّست في الآن نفسه زعامتيْن بات يُطلق عليهما أربيل والسليمانية, حيث الأخيرة معقل طالباني، فيما الأولى وهي عاصمة الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي معقل لبارزاني الأبّ والأبناء من بعده.
الخلاف المُتجدّد الآن على موقع رئاسة الجمهورية في العراق لافت ومثير للانتباه والجدل، إن لجهة تقدّم الحزب الديمقراطي الكردستاني/بارزاني بمرشح لشغل هذا الموقع (الفخري في واقع الحال), أم خصوصاً لأنّ الديمقراطي/أو البارتي كما يُوصَف في كردستان العراق، عقد العزم على نسف الصيغة التي توافق عليها الحزبان, وهي أن تكون رئاسة الإقليم من حصة «البارتي أي حزب بارزاني، فيما يشغل مرشح الاتّحاد الوطني/طالباني موقع رئاسة الجمهورية.
الأمر الذي سيكون له ما بعده على علاقات الحزبين، خصوصاً أن الأوضاع في إقليم كردستان «مُتفجّرة» بمعنى الكلمة، إذ لاحظنا حجم وطبيعة وتداعيات المظاهرات العنيفة التي اجتاحت السليمانية/معقل طالباني، كذلك الأوضاع المعيشية الصعبة في أربيل وكوارث الفيضانات التي اجتاحت أربيل، إضافة إلى ذلك كلّه التوغّل البرّي والغارات الجوية التركية على معاقل حزب العمال الكردستاني PKK والمواجهات العنيفة مع داعش، وارتفاع الأسعار ونِسب الفقر والبطالة في الإقليم.
ثمّة أمر لافت أيضاً، هو ارتفاع شعبية حزب بارزاني حيث حاز على «31» مقعداً, فيما لم تتجاوز مقاعد «تحالف كردستان» بزعامة الاتّحاد الوطني/طالباني الـ«17» مقعداً.. ربما يكون أحد الأسباب التي دفعت «البارتي» لتحدي حزب طالباني مُقدمة لـ«فضّ» التفاهمات السابقة معه... نقول: «ربما».
kharroub@jpf.com.jo
الرأي