د. علي محمد الطالب قواقزة يكتب عن: فنّ ( الاتيكيت ):
عندما نحب أن يستمع إلينا الآخر، لعل هذه طبيعة عامة في أغلب البشر، لأنّ هذا الاستماع يشعرنا بالثقة والاحترام المتبادل، ويجعلنا نحس بالأهمية والقيمة الحقيقية لذواتنا، والاصغاء الجيد ليس بالضرورة أن ينتهي إلى التأثير الكامل عليهم، إلا أنه يزيد من أواصر المحبة والتقارب الروحي والعاطفي بين الناس، كما أن من أبرز سمات العظماء هي الاستماع والإصغاء إلى كلام الآخرين.
فليس كثرة الكلام دليلًا على قوة الشخصية ولا قوة التأثير، بل ربما – أو في الغالب – ينتهي كثرة الكلام إلى ما لا يحمد عقباه من النتائج.
والإنسان اجتماعي بطبعه يحب تكوين العلاقات وبناء الصداقات. فمن حاجات الإنسان الضرورية حاجته للانتماء، ومن الفطرة أن يكون الإنسان اجتماعيًا. والفطرة السليمة ترفض الانطواء والانعزال وترفض أيضًا الانقطاع عن الآخرين، والفرد مهما كان انطوائيًا فإنه يسعى لتكوين علاقات مع الآخرين وإن كانت محدودة، وربما يستحيل عليه الانكفاء على ذاته والاستغناء عن الآخرين.
وفن ( الاتيكيت ): هو سلوك أفضل السبل والوسائل لنقل المعلومات والمعاني والأحاسيس والآراء إلى أشخاص آخرين، والتأثير في أفكارهم وإقناعهم بما نريد. وهو شكل من أشكال النظام والسلوك البشري، وهو حالة الخروج من الوحشية والهمجية إلي حال احترام الآخر والتعاون في مواجهة المخاطر. وهو فن التعامل مع الناس من خلال الكلام الصادق وقول الخير والسهولة واللين في التعامل مع الناس. حيث يقول الله تعالى _ جل وعلا_ في محكم كتابه العظيم في سورة آل عمران، آيه 159 : "فبما رحمةٍ من اللَّهِ لِنتَ لَهمْ ولَو كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ القلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عنهمْ واسْتَغْفرْ لهمْ وشاوِرْهمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ على اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يحبُّ المُتوكِّلينَ ". حيث التأكيد على علاقة القائد بجنده. أي برحمة الله عليك، ألنْت لهم جانبك، وخفضت لهم جناحك، فكان الترفّق والإحسان؛ فرحمتهم فاجتمعوا عليك وأحبوك وامتثلوا أمرك. ولو كنت سيئ الخُلق قاسي القلب، لتركوك وانفضوا عنك.
ومن أساليب الايتيكيت: مراجعة النفس أولًا لاستلهام العبر. ويقصد من ذلك أن يراجع الإنسان نفسه كل حين، ليبدأ مع نفسه حياة جديدة خالية من أخطاء العالم المنصرم.
ويؤكد الكاتب والناقد القواقزة إن أعمق واقع للإنسان إلى العمل هو الرغبة في أن يكون شيئًا مذكورا . فالناس يبحثون عن التقدير في هذه الحياة فإذا وجدوه تمسكوا به وأحبوه حبًا شديدًا.
وإن تقبل الآخرين بكل ما هم فيه من سلوك وصفات وأخلاق وأفكار ومشاعر .. تقبل ذلك لأن هذا هو الواقع ونحن لا نعني بالتقبل للآخر أنك توافق على كل الأفكار والمشاعر المطروحة، فالبشر في هذا العالم أصناف شتى، فتجد المسلم والكافر والمؤمن والفاسق، والأمين والخائن، والصديق والعدو، والصادق والكاذب، والمتواضع والمتكبر إلى غير ذلك من المتناقضات، وإنما أقصد تقبل كل هؤلاء لتقيم علاقات معهم وتتواصل معهم بكل صدق وأريحية، وتتعامل معهم بأسلوب واضح وصحيح بعيدًا عن كل أنواع الزيف، فهذا تستفيد منه، وهذا تصلحه وهذا تحجم عن شره وهذا تغيره وهذا وهذا ..
ويجب أن يكون تقديرك مخلصًا وصادقًا وحقيقيًا ، والابتعاد عن التزلق المتورم ، وأن تخرج الكلام من قلبك وتصدق الله فيه، وأن تحسن لمن تتعامل معهم فتأسر عواطفهم، وكما قال الشاعر: أحسن إلى الناس تستعبد قوبهم، فطالما استعبد الإنسان إحسانا.
إن احترام الصداقة هي علاقة المودة والمحبة بين الناس تقوم على الاختيار والقبول، ونحاول أن نكون واضحين كل الوضوح في التعامل، والابتعاد عن التلون والظهور بأكثر من وجه.
وكن على ثقة تامة أيها القارئ لهذه السطور المتواضعة أنه مهما بلغ نجاحك فسيأتي عليك يوم وتتكشف أقنعتك. وتصبح حينئذٍ كمن يبني بيتًا يعلم أنه سيهدم.