انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

عن تاريخ صنع الزجاج الذي يعود لـ3500 عام

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/14 الساعة 15:46
حجم الخط

مدار الساعة - في عالم ساد فيه لون رمال الصحراء الشاسعة، كان لألوان الزجاج الأزرق والأرجواني والأحمر والأخضر بريق خاص عشقه الفراعنة؛ فحرصوا على استخدام هذا الزجاج الملون في الحلي الموجودة في مقابرهم.

فاحتوت مقبرة توت عنخ آمون- على سبيل المثال- على لوحةِ كتابةٍ مُزخرَفة ومسندين للرأس باللون الأزرق مصنوعين من الزجاج الصلب، كما تم تطعيم الأقنعة الجنائزية المصنوعة من الذهب بهذا النوع من الزجاج.
لكن يطرح ذلك في أذهاننا العديد من التساؤلات، مثل أين صُنِعَ الزجاج لأول مرة؟ و كيف كان يُستخدَم وكيف كان يُلوَّن وكيف انتقل عبر أرجاء العالم القديم؟
زجاج مصر القديمة.. ثمين كالأحجار الكريمة
في التسلسل الهرمي للمواد، احتل الزجاج في مصر القديمة مرتبة أقل قليلاً من الفضة والذهب، وكان ثميناً بقدر الأحجار الكريمة.
وعندما نتحدث عن صنع الزجاج في العصور القديمة، لا تزال الكثير من الأمور غامضة بالنسبة لنا، مع ذلك بدأت في العقود القليلة الماضية تقنيات علم المواد وإعادة تحليل القطع الأثرية التي تم التنقيب عنها في الماضي في تقديم بعض الأجوبة، وفقاً لما يقوله أندرو شورتلاند، عالم الآثار في جامعة كرانفيلد الإنجليزية.
تاريخ صنع الزجاج
اقترح المؤرخ الروماني القديم "بليني" أن التجار الفينيقيين صنعوا الزجاج الأول في منطقة سوريا حوالي 5000 قبل الميلاد.
ولكن وفقاً للأدلة الأثرية، وجد أول زجاج من صنع الإنسان في شرق بلاد ما بين النهرين ومصر حوالي 3500 قبل الميلاد، وتم صنع الأواني الزجاجية الأولى حوالي 1500 قبل الميلاد في مصر وبلاد ما بين النهرين، وفقاً لما ورد في موقع History of Glass.
ويقترح موقع Inverse كذلك، أن استخدام الزجاج قد انطلق بالفعل من مصر واليونان وبلاد ما بين النهرين، التي تُعرَف بالشرق الأدنى، وذلك في العصر البرونزي المتأخِّر -1600 إلى 1200 قبل الميلاد.
كيف صنع القدماء الزجاج؟
يُعَدُّ الزجاج القديم والحديث على حدٍّ سواء، مادةً مصنوعةً عادةً من ثاني أكسيد السيليكون، أو السيليكا، والتي تتميَّز بذرَّاتها غير المنتظمة.
على عكس اليوم، كانت الكؤوس في تلك الأزمان معتمة ومُشبَّعة بالألوان، وكان مصدر السيليكا عبارة عن حصى كوارتز مطحونة، وليس رملاً.
اكتشف القدماء كيفية خفض درجة حرارة انصهار الكوارتز المسحوق إلى ما يمكن الوصول إليه في أفران العصر البرونزي، فاستخدموا رماد النباتات الصحراوية، التي تحتوي على مستوياتٍ عالية من الأملاح، مثل كربونات أو بيكربونات الصوديوم.
تحتوي النباتات أيضاً على الجير (أكسيد الكالسيوم)، الذي يجعل الزجاج أكثر استقراراً.
وأضاف صانعو الزجاج القدماء أيضاً المواد التي تضفي اللون على الزجاج، مثل الكوبالت للأزرق الداكن، أو أنتيمونيت الرصاص للأصفر.
يقول عالم المواد مارك والتون، من جامعة نورث وسترن بولاية إلينوي الأمريكية: "يمكننا تحليل المواد الأوَّلية التي دخلت في إنتاج الزجاج ثم تحديد من أين أتت هذه المواد على وجه التحديد".
مع ذلك لا يزال الغموض يكتنف قصة صنع الزجاج. عندما كان شورتلاند وزملاؤه يحقِّقون في أصول الزجاج منذ حوالي 20 عاماً، بدا أن الزجاج من مصر والشرق الأدنى واليونان يشبه مادةً كيميائية يصعُب تحضيرها بناءً على التقنيات المتاحة في ذلك الوقت.
كان الاستثناء هو الزجاج الأزرق، وذلك بفضل عمل الكيميائي بولندي المولد ألكسندر كاتشماركزيك، الذي اكتشف في الثمانينيات أن عناصر مثل الألمونيوم والمنغنيز والنيكل والزنك، استُخدِمَت جنباً إلى جنبٍ مع الكوبالت، الذي يمنح الزجاج لوناً أزرق باهتاً.
ومن خلال فحص الكميات النسبية لهذه العناصر، قام فريق كاتشماركزيك بتتبُّع خام الكوبالت المُستخدَم في الزجاج الأزرق، وصولاً إلى مصدره المعدني في واحاتٍ مصرية مُحدَّدة.
وبالتحرُّك من حيث توقَّف كاتشماركزيك، شرع شورتلاند في فهم الطريقة التي عمل بها المصريون القدماء مع خام الكوبالت. لم تُدمَج المادة، وهي مركَّبٌ يحتوي على كبريتات تسمَّى الشب، في الزجاج. لكن في المختبر، أعاد شورتلاند وزملاؤه إنتاج تفاعلٍ كيميائي ربما استخدمه الحرفيون في أواخر العصر البرونزي لإنشاء صبغةٍ متوافقة. وقاموا بصنع زجاجٍ أزرق غامق يشبه في الواقع الزجاج الأزرق المصري.
الزجاج.. أصول غامضة
لكن أين وُلِدَ الزجاج لأول مرة؟ على مدار 100 عام على الأقل، ناقش الباحثون أن مصدر الزجاج قد يكون من مناطق الشرق الأدنى ومصر.
واستناداً إلى بعض القطع الأثرية الزجاجية الجميلة والمحفوظة جيِّداً، والتي يعود تاريخها إلى حوالي 1500 عام قبل الميلاد، كانت مصر هي الخيار الأكثر ترجيحاً.
ولكن بحلول الثمانينيات، كان الباحثون يضعون رهاناتهم على الشرق الأدنى بعد أن عثر المنقِّبون على كمياتٍ من الزجاج في نوزي، وهي بلدةٌ إقليمية من أواخر العصر البرونزي في العراق، يُعتَقَد أنها تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
وفي الوقت نفسه تقريباً، على الرغم من ذلك، كشفت إعادة تحليل النصوص الأثرية أن نزوي كانت أصغر من المُتوقَّع بـ100 إلى 150 عاماً، ويبدو أن صناعة الزجاج المصرية من تلك الفترة الزمنية كانت أكثر تقدُّماً- الأمر الذي يصبُّ في صالح مصر مرةً أخرى.
لكن هذه ليست نهاية القصة. يمكن أن يتحلَّل الزجاج، خاصةً في الظروف الرطبة. ظلَّت القطع الأثرية من المدافن والمدن المصرية القديمة آلاف السنين، بمساعدة بيئة الحفظ المثالية تقريباً في الصحراء.
ومن ناحيةٍ أخرى، ظلَّ الزجاج من الشرق الأدنى في مقابر في سهولٍ فيضية في بلاد ما بين النهرين، وواجَهَ في كثيرٍ من الأحيان تدفُّقاتٍ من المياه، والتي يمكن أن تكون قد تسرَّبَت وحوَّلَت الزجاج إلى مسحوقٍ قشاري. يصعب التعرُّف على هذا الزجاج التالف، مِمَّا يعني أنه ربما فُقِدَ الكثير من زجاج الشرق الأدنى.
الزجاج.. رابط بين الممالك والإمبراطوريات
ساعد الزجاج على ربط الإمبراطوريات القديمة ببعضها، كما يقول ثيلو ريرين، عالم المواد الأثرية في معهد قبرص في نيقوسيا (عاصمة قبرص)، الذي فحص الآثار الموجودة في مقبرة توت عنخ آمون. يقول إن الملوك كانوا يشحنون المواد إلى حكَّامٍ آخرين، مُتوقِّعين البضائع أو الولاء في المقابل.
تكشف المخزونات القديمة من العصر البرونزي المتأخِّر عن تبادلٍ للعاج والأحجار الكريمة والخشب والحيوانات والأشخاص وغير ذلك، وبينما لم يُفهَم دور الزجاج في اتفاقيات الإهداء هذه تماماً، فإن تكوين القطع الأثرية يدعم فرضية تبادل الزجاج.
في عقدٍ من الخرز الزجاجي عُثِرَ عليه في موقع جوروب في محافظة الفيوم في مصر (وهو موقع يعتقد أنه كان قصراً)، وَجَدَ شورتلاند وزملاؤه العلامة الكيميائية المرتبطة ببلاد ما بين النهرين، وقد كانت عبارة عن مستوياتٍ عالية نسبياً من الكروم. يشير الموقع نفسه إلى أن العقد ربما كان هبةً للفرعون تحتمس الثالث مع نساءٍ من الشرق الأدنى أصبحن زوجاتٍ للملك.
يقول شورتلاند: "بدأنا للتوِّ الآن نرى بعض هذا التبادل الذي جرى بين مصر ومناطق أخرى".
في أوائل الثمانينيات، وَجَدَ غوَّاصون النقطة الرئيسية لمثل هذه التبادلات قبالة سواحل تركيا في سفينةٍ غارقة تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد. تقول كارولين جاكسون، عالمة الآثار بجامعة شيفيلد الإنجليزية، إن تحليل محتويات السفينة يكشف اقتصاداً عالمياً.
ربما كانت سفينةً فينيقية في رحلةٍ استشكافية تقدِّم الهدايا، إذ كانت السفينة تنقل أغراضاً من كلِّ مكان، مثل العاج والنحاس والقصدير وحتى العنبر من بحر البلطيق. ومن الحطام، تمكَّن المنقِّبون من استخراج شحنة من الزجاج الملوَّن.
تتبُّع صناعة الزجاج
من الأسباب الأخرى التي تجعل تحديد مواقع الزجاج أمراً صعباً أن هذه العملية تنتج القليل جداً من النفايات.
رأى ثيلو ريرين أن العديد من الأوعية تحتوي على طبقةٍ كثيفةٍ من الكلس، والتي كانت لتعمل كحاجزٍ غير لاصق بين الزجاج والسيراميك، مِمَّا يسمح برفع الزجاج بسهولة. وتحتوي بعض أواني صناعة الزجاج على زجاجٍ أبيض شبه كامل يشبه الرغوة.
ربط ريرين أيضاً لون الأواني الفخارية بدرجة الحرارة التي تصمد فيها في الفرن. في حوالي 900 درجة مئوية، قد تذوب المواد الخام لصنع ذلك الزجاج شبه النهائي. لكن بعض البوتقات كانت سوداء أو تميل إلى الأحمر الداكن، مِمَّا يشير إلى أنها تعرَّضَت لتسخينٍ إلى ألف درجة مئوية على الأقل، وهي درجة حرارة كافية لإنهاء صهر الزجاج وتلوينه لإنتاج سبيكة زجاجية.
حتى إن بعض البوتقات احتوت على أجزاءٍ باقية من الزجاج الأحمر، مُلوَّنةً بالنحاس.
يقول ريرين: "تمكَّنَّا من تحديد الدليل على صناعة الزجاج. لكن لا أحد يعرف كيف يجب أن تبدو".
ومنذ ذلك الحين، وجد ريرين وزملاؤه أدلةً مماثلة على صناعة الزجاج وإنتاج السبائك الزجاجية في أماكن أخرى، بما في ذلك مدينة تل العمارنة القديمة، عاصمة أخناتون خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد.
ولاحظوا أيضاً شيئاً مثيراً للاهتمام. في بوتقةٍ في تل العمارنة، ظهرت فقط شظايا الزجاج الأزرق الكوبالت. ولكن في قرية قنتير، بمحافظة الشرقية، بمصر، حيث استُخدِمَ النحاس الأحمر أيضاً لصنع البرونز، تحتوي البوتقات المحفورة في الغالب على شظايا زجاجية حمراء. يقول ريرين: "هؤلاء الناس عرفوا بالضبط كيف يتعاملون مع النحاس. وكانت تلك مهارتهم الخاصة".
في قنتير اكتشف عالم المصريات المصري محمود حمزة سبيكةً زجاجية حمراء كبيرة متآكلة في عشرينيات القرن الماضي. وفي موقع يسمَّى ليشت، تحتوي البوتقات التي تتضمَّن بقايا زجاجية بشكلٍ أساسي على شظايا ذات لون فيروزي.
مدار الساعة ـ نشر في 2021/12/14 الساعة 15:46