مدار الساعة - أصدر معهد السياسة والمجتمع؛ العدد الثاني من المجلة الأردنية للسياسة والمجتمع JPS، والذي يتناول بشكل خاص الأمن الوطني الأردني، وما يتفرع منه من قضايا محلية وإقليمية ودولية، مع تأطير مباشر لمختلف المقتربات ذات الصلة. ويأتي صدور العدد مواكبًا لسياق إقليمي تتقلب به قواعد اللعبة الشرق أوسطية، وتتصل بجملة التحولات الدولية، وهو ما يلقي بظلاله ويؤثر على الأمن الوطني في الأردن، وبمشاركه محلية وعربية لنخبة من الباحثين والخبراء.
بتقريظ من رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي؛ يُستهل العدد الثاني انطلاقًا من الغاية الرئيسية للعدد وهي بناء الإدراك حول الأمن الوطني للأردن، وتقديم نقاش بناء وعملية يجمع ما بين الأطر الأكاديمية والنظرية، وبما يتداخل مع الواقع العملي للتحليل السياسي، للوصول إلى حالة من النضج والوعي لفهم أكثر شمولية لواقع الأردن الاستراتيجي، وتأطير مفهوم الأمن الوطني الأردني.
ينطلق العدد بمقابلة فريق تحرير المجلة مع الخبير السياسي أ.د. حسن المومني، رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية واستاذ النزاعات الدولية في الجامعة الأردنية؛ حيث جرى نقاش موسع وغني بصيغة تؤطر للمشهد الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط، والأولويات الوطنية الأردنية أمام التحولات الحالية.
بسبع مقالات، تناولت المجلة مختلف القضايا والقطاعات المتصلة بالأمن بمفهومه الشامل للأردن؛ يناقش عدد من الخبراء والباحثين العرب مسائل وقضايا مهمة في الأمن الوطني الأردني، حيث يناقش وزير الخارجية الأسبق د. مروان المعشر في مقاله التحديات التي تواجه الأردن بعد انتخاب ترامب رئيسًا، مسلطًا الضوء على مخاوف الأردن من محاولات إسرائيل حل القضية الفلسطينية على حسابه. ويشدد على أهمية الحوار الوطني والدبلوماسية النشطة لمواجهة هذه التحديات. يتبعه مقال للدكتور إبراهيم سيف حول التحديات الاقتصادية في الأردن، مشيرًا إلى تراجع النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة والعجز المالي، مع التركيز على تأثير الأزمات الإقليمية والاعتماد على المساعدات الخارجية. ويؤكد على ضرورة وضع سياسات تعزز النمو الاقتصادي والاستدامة. أما عن سوريا، فيناقش مقال ما بعد الأسد، للباحث السوري فاضل خانجي قراءة المشهد السوري ما بعد زوال نظام الأسد، كما يتناول التحولات السياسية في سوريا وتأثيرها على الأمن الإقليمي. وعن الأمن الغذائي في الأردن؛ فيعكف الوزير السابق وعضو مجلس الأعيان د. عاكف الزعبي على تحديات ندرة الموارد وكيفية تعزيز استراتيجيات الأمن الغذائي من خلال التعاون الإقليمي والدولي. متبوعًا بأمن الطاقة في الأردن فيقدم د. أحمد السلايمة؛ بمقاله استراتيجيات الأردن لتنويع مصادر الطاقة، مع التركيز على الطاقة المتجددة لتحسين الاستدامة الاقتصادية، ويتصل بذلك؛ الأمن المناخي في الأردن، حيث يقدم الباحث عمر شوشان في مقاله على تأثيرات تغير المناخ على الأردن، خصوصاً في مجالات ندرة المياه والطاقة، ويدعو إلى تعزيز التعاون الإقليمي، وأخيرًا؛ حول التحديات الأمنية الإسرائيلية، فيناقش د. حسن البراري التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل، مع التركيز على تأثير التحولات الإقليمية في لبنان وسوريا. حيث تقدم هذه المواد قراءة مهمة لقضايا ذات متنوعة تصب كلها في مفهوم الأمن الموسع، والذي لا يقتصر على أمن الحدود؛ بل يتعدى ذلك ليشمل قطاعات الأمن الإنساني.
يتبع ذلك تسعة مواد تحليلية مطولة، تتعمق في حيثيات الأمن الوطني والاستراتيجيات الأردنية في تأمين مصالح الدولة العليا، فبدءًا بالدور الإقليمي الأردني ودراسة أهم التحولات أمام الأردن حيث يناقش د. محمد أبو رمان ويحلل دور الأردن الإقليمي في ظل التحولات الجيوسياسية المعقدة، مع التركيز على التحديات والفرص المرتبطة بالسياسات الخارجية للدولة. يناقش الكاتب مفهوم “الدور الإقليمي” من خلال إطار نظري يرتكز على العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة، مثل الموقع الجغرافي والتحالفات الإقليمية والدولية. كما يتطرق التحليل إلى مراحل تطور الدور الأردني بدءًا من عهد الملك عبد الله الأول وحتى الملك عبد الله الثاني، مسلطًا الضوء على المفاهيم الرئيسية مثل “الأردن أولًا”، ومساهمات الأردن في مكافحة الإرهاب وصنع السلام الإقليمي. كما يناقش التحولات الإقليمية الأخيرة وتأثيرها على دور الأردن في قضايا مثل القضية الفلسطينية، إعادة إعمار سوريا، والعلاقات مع دول الخليج.
يتبعه تحليل لديناميكية الاستراتيجيات الأردنية كممارسة غير مكتوبة تضمن المرونة أمام التقلبات الإقليمية حيث يناقش الباحث حسن جابر. إذ يتناول التحليل النقاش الدائر حول الحاجة إلى وثيقة استراتيجية وطنية شاملة للأمن القومي الأردني. ويبرز الكاتب أهمية الوثيقة في تحديد الأولويات الوطنية، وتنسيق المؤسسات الأمنية، وتعزيز الشفافية. على الرغم من غياب هذه الوثيقة، يعتمد الأردن على نهج عملي مرن يتكيف مع التحديات الإقليمية، مع التركيز على الدبلوماسية والقدرة على التكيف. كما يناقش الباحث استراتيجيات الأردن، مثل المرونة الاستراتيجية، الغموض البناء، والقدرة على التأقلم السريع، مع تسليط الضوء على دور مجلس الأمن الوطني الجديد في إدارة السياسة الأمنية.
وعن هوية الأمن الوطني الأردني، فيتناول الباحث محمد الأمين عساف إشكالية الهوية في الأمن القومي الأردني ويسلط الضوء على التحديات الجغرافية والسياسية التي تواجه الأردن كدولة تقع في قلب منطقة ملتهبة. ويركز الباحث على التهديدات الناجمة عن السلوك الإيراني في المنطقة، والتطلعات الإسرائيلية التوسعية على صعيد المنطقة وفلسطين وتحديدًا الضفة الغربية. يشير الكاتب إلى غياب رؤية واضحة للأمن القومي الأردني، ويؤكد أهمية صياغة نموذج شامل يُعزز الهوية الوطنية ويوحد الرؤية تجاه المخاطر والتحديات. ويرى الكاتب ضرورة المضي نحو تنمية العدالة التمثيلية والتنموية لتعزيز الترابط الوطني والتماسك الاجتماعي.
يلي ذلك نقاش ضرورة التحول في الدور الأردني، فيقدم الباحث أنس الدباس قراءة لتطور الدور الإقليمي للأردن عبر مراحله التاريخية المختلفة، بدءًا من عهد الملك عبد الله الأول وصولًا إلى الملك عبد الله الثاني. يسلط الضوء على التحولات في سياسات الأردن الخارجية استجابةً للمتغيرات الإقليمية والدولية. يشير الكاتب إلى أهمية إعادة تصور الدور الإقليمي للأردن، مشددًا على الحاجة لتبنّي دور قيادي أكثر نشاطًا في إعادة الإعمار، مكافحة التهديدات الإقليمية، وتعزيز استقراره. يرى الباحث أن هنالك ضرورة للاستفادة من موقع الأردن الاستراتيجي لتعزيز دوره كقائد للتحالفات الإقليمية وضامن للاستقرار.
وحول الضفة الغربية، فيتناول إبراهيم ربايعة، الأكاديمي والباحث الفلسطيني، التحديات التي تواجه الضفة الغربية في ظل السياسات الاستيطانية الإسرائيلية المتسارعة وتأثيرها على الأمن الوطني لكل من الأردن وفلسطين. يناقش الكاتب الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة في الضفة الغربية، بما في ذلك تآكل سلطة الحكم الفلسطيني واستهداف الاحتلال للبنية التحتية. كما يسلط الضوء على تداعيات عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض على تصعيد السياسات الإسرائيلية الرامية إلى ضم الضفة الغربية. في حين يقترح المقال مسارات للعمل المشترك بين الأردن وفلسطين، تشمل التنسيق الثنائي لتطوير استراتيجيات مواجهة، والتعاون العربي الجماعي لتعزيز الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية ومنع أي تسويات أحادية تضر بالقضية الفلسطينية.
أما عن العلاقات الأردنية – الخليجية؛ فيقدم د. بدر الماضي تحليلًا لمفهوم الأمن الوطني الأردني، بما في ذلك التحديات الداخلية والخارجية التي تواجه الأردن، مثل عدم الاستقرار الإقليمي، المشاكل الاقتصادية، التهديدات الإرهابية، والقضايا الداخلية. ويشير إلى أن العلاقات مع دول الخليج تعدّ ركيزة أساسية لتعزيز استقرار الأردن من خلال التعاون الأمني والعسكري، المساعدات الاقتصادية، والاستثمارات الخليجية.
في حين يقدم الخبير العراقي د. فراس إلياس؛ تحليلًا حول الإستراتيجية الإقليمية لإيران وتأثيرها على الأمن الوطني الأردني، مركزاً على الأهداف التي تسعى إيران لتحقيقها في الشرق الأوسط. يستعرض المقال كيفية تنفيذ إيران لمشروعها الجيوسياسي الذي يمتد من طهران إلى البحر المتوسط عبر حلفاء دوليين وغير دوليين. كما يناقش توتر العلاقات الأردنية-الإيرانية، الناجم عن الشكوك المتبادلة، منذ دعم الأردن للعراق خلال الحرب الإيرانية-العراقية، وتصاعد نفوذ إيران الإقليمي بعد عام 2003. كما يشير الكاتب إلى المخاطر الأمنية التي تواجهها الأردن بسبب أنشطة حلفاء إيران، مثل تهريب المخدرات والأسلحة عبر الحدود، والضغوط الجيوسياسية. في هذا السياق، يرى إلياس أن تطوير الأردن لإستراتيجية دبلوماسية واضحة مع إيران تستهدف حماية استقرارها الداخلي وتحقيق توازن في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية.
يلي ذلك مقال الباحث عبد الله الطائي، وفيه يستعرض التطورات في العلاقات الأردنية-العراقية التي شهدت قفزة نوعية في السنوات الأخيرة، مع تحقيق تقدم دبلوماسي وتعاون اقتصادي متزايد رغم التحديات السياسية والأمنية. يعكس التحليل دور التحولات الإقليمية والدولية وتأثيراتها على العلاقة بين الطرفين، حيث تمثل العراق فرصة اقتصادية وسياسية مهمة للأردن، خاصة في ظل تحديات اقتصادية إقليمية تعانيها عمان. يشير الكاتب إلى أهمية المبادرات المشتركة، والتعاون في قضايا الأمن والطاقة. كما يسلط الضوء على العقبات المرتبطة بالنفوذ الإيراني في العراق ودور الفصائل المسلحة المدعومة من إيران في تهديد أمن الأردن والمشاريع الأردنية، لا سيما عبر الحدود.
وأخيرًا، يُبرز مقال الباحث بلال العضايلة أهمية الشراكة بين الأردن والاتحاد الأوروبي في تعزيز الأمن الوطني الأردني من خلال دعم أمني واقتصادي ومواقف سياسية داعمة لاستقرار المنطقة، مثل دعم القضية الفلسطينية ومواجهة أزمات اللجوء. يواجه الطرفان تحديات مثل انشغال الاتحاد الأوروبي بأزمة أوكرانيا وصعود القوى الشعبوية. ومع ذلك، توفر هذه العلاقة فرصًا للأردن لتعزيز دوره الإقليمي وجذب مزيد من الدعم الأوروبي لبرامج التحديث والتنمية.
في ختام العدد، تقدم فرح أبو عيادة مساعد الباحث في المعهد مراجعة لكتاب: “حماس: صعود المقاومة الفلسطينية ومحاولات الاحتواء” لطارق بقعوني، والذي يتناول تطور حركة حماس من جماعة مقاومة إسلامية إلى سلطة حاكمة في غزة. يسلط الكتاب الضوء على مرونة حماس السياسية، تحالفاتها الإقليمية، والتحديات التي واجهتها في ظل محاولات إسرائيل احتوائها.
يُذكر أن المجلة الصادرة عن معهد السياسة والمجتمع وعددها الصادر جديدًا، تسعى إلى التعمق في حيثيات فضاء الأمن الوطني الأردني، وبحث وتحليل ومناقشة مختلف القضايا التي تمس هذا الفضاء، في سعي حثيث لبناء إدراك واقعي ومنطقي، وتحليلات مبنية على التفسير السببي والموضوعي، للتوصل لفهم أكثر دقة حول الأمن الوطني للأردن.