تحلّ ذكرى استشهاد رئيس الوزراء الأردني وصفي التل 28 كانون أول/ ديسمبر 1971، ووصفي هو ثالث شخصية أردنية يجري اغتيالها بين عامي 1951 -1971 بعد الملك عبدالله الأول والرئيس هزاع المجالي رحمهم الله جميعاً.
يحضرُ وصفي التل في الذاكرة الأردنية بكثافة، كواحد من أبرز رجالات الدولة، ارتبط اسمه بزمن البناء الوطني، تشييد المؤسسات: البنك المركزي والجامعة الأردنية وغيرها، وتقدم في المواقع الإدارية والسياسية، مع خبرة كبيرة في الحركة القومية والعمل مع رموزها، وبسبب ميولة القومية تمّ تسريحه من الخدمات العسكرية في الجيش البريطاني بعد مشاركته في الحرب العاليمة الثانية في صفوفه.
تقدّم وصفي للحياة العامة كواحد من أبناء الريف الأردني، في زمن كانت فيه موجة الريفيين السياسيين والعسكر تغطي الواجهة السياسية وبخاصة في مصر الناصرية التي كان رئيسها أكثر المتحمسين لتحجيم دور وصفي التل، إذا كان لدى الأثنيين جاذبية وطنية قومية في كل من مصر والأردن، كان وصفي سنداً كبيراً وحاجزاً متقدماً للحكم الهاشمي ضد موجه التقدمية العربية الناصرية، وكان وصفي ممتلئاً بالعروبة والوطنية وله مؤيدين كُثر وهو عارف بخبايا كل النخب وانتماءاتهم.
لكن السؤال اليوم ماهي المعرفة العلميّة وصفي التل؟ للأسف فإن الأعمال العلمية الرصينة عن شخصية وصفي غير وافرة، ولا توازي حجم مرحلته ولا حجم تجربته، وربما تكون يوميات أكرم زعيتر التي صدرت عن المركز العربي في الدوحة من أكثرها انصافا لتجربة وصفي، الذي للأسف جرى تشويه حضوره وربطه بمسألة أيلول الأسود التي قيمتها النخبة الفلسطينية الوطنية بأنها كانت حماقة وتطرفا ايدلوجيا ضد وطن ودولة ونظام حكم أردني.
كان وصفي عروبيا، وطالب بعد 1967 بخطة لتحرير فلسطين، وطالب بتقديمها للملك حسين رحمه الله، ولكن الظروف لم تمكّنه من ذلك، إذ كانت رؤيته بأن الاردن الخاسر الأكبر جراء النكسة، ولاحقاً مع طرح مبادرة الرئيس روجرز للسلام والموقف الشعبي ضدها في تموز 1970 كان وصفي صاحب رأي بها، وصاحب رأي بالنخبة السياسية الأردنية وعلاقتها المتشابكة وفسادها الكبير.
ظهر وصفي كصاحب رؤية وطنية، ولديه الكثير من تفاصيل الحياة في مذكراته وفي يومياته التي تعرّض جزء كبير منها للتلف، لكن حياته لم تكن ميسورة بل كان مداناً دوماً، وقليل المال، وكان يعزف عن الحياة ويعاني بعض الأمراض.
لم نجد الكثير مما كتب عن وصفي بعلميّة كبيرة إلّا رسالة جامعية للباحث د اسامه حسن اشرف عليها د مصطفى حمارنه، أما بقية الانتاج العلمي عن وصفي ودوره فكان ضعيفاً انبطاعياً عاطفياً.
البعض يرى انه جرى تضخيم وصفي التل، والبعض يرى أن الرجل لم يوفَ حقه بعد، والبعض يرى أن حياة وصفي نموذجية في عمل رجل الدولة لمصلحة دولته.
عاش وصفي حقبة معقدة في الاردن والمنطقة العربية، امتلك حصانة المواجهة للفساد، وأدرك أهمية تعظيم الموقف الأردني، وعدم الخجل من الدفاع عن الأردن ونظام حكمه، في وقت كانت بعض النخب بل أكثرها عالقة في ولاءات ايدولوجية خارجية او متربطة بصفقات مالية والبحث عن مزايا البقاء أو تخشى اظهار ولائها وحبها للاردن. كان وصفي ريفيا متمدنا وغريبا وسط نخب انتدابية اولغارشية.
باختصار، كان وصفي أردنيا كامل الدسم ومتصالحا مع حاله، ومؤمنا بأن مواقفه التي اتخذها وطنيا وعربيا وبالذات في المسألة الفلسطينية عنوانها: الوضوح وليس المواربة.
الدستور