مدار الساعة - عثر العلماء على متحور جديد من فيروس كورونا يحمل أكثر من 30 طفرة، ما يثير الذعر حال انتشاره حول العالم، فما قصة "بوتسوانا"؟ ولماذا يعتبر أكثر خطورة بكثير من سلالة "دلتا" الهندية؟
وكانت سلالة دلتا قد اكتشفت أولاً في بريطانيا مطلع العام الجاري، لكن في أواخر مارس/آذار الماضي كشف باحثون عن وجود سلالة جديدة من الفيروس في الهند، وصفت بأنها "مزدوجة الطفرة" وأطلق عليها "دلتا بلاس"، تسببت في انتشار الفيروس بصورة أسرع بكثير، وباتت دلتا بلاس مسؤولة عن الموجات المتتالية من الوباء في الهند وأوروبا وحول العالم.
وعندما خرجت الأمور تماماً عن السيطرة في شبه القارة الهندية، أرجع العلماء ذلك إلى الدور الذي تلعبه سلالات الفيروس، بما في ذلك السلالة الجديدة التي أطلق عليها في البداية اسم "المتحوِّر المزدوج"، في التفشي المخيف للفيروس هناك، وتسببت في التفشي الأسرع في العالم منذ انتشار الوباء خارج الصين منذ بدايات العام الماضي.
ماذا نعرف عن متحور "بوتسوانا"؟
توم بيكوك عالم الفيروسات في إمبريال كوليدج لندن كان أول من اكتشف المتحور الجديد ونشر تفاصيل ما توصل إليه على موقع مخصص لنشر المعلومات المتعلقة بالخريطة الجينية لفيروس كورونا، وذلك قبل يومين.
وقال بيكوك، في رسالته على الموقع المتخصص، إنه حتى الآن تم اكتشاف أربع سلاسل فقط لانتشار المتحور الجديد لذلك "أنصح بالمراقبة حالياً"، مضيفاً أن وصول المتحور الجديد إلى آسيا يشير إلى أنه قد يكون أكثر انتشاراً مما نعرفه. كما أن العدد الهائل من الطفرات في بروتين الفيروس يعني أنه يمثل قلقاً حقيقياً لقدرته على مقاومة الأجسام المضادة الموجودة حالياً، سواء نتيجة للقاحات كورونا أو المناعة الطبيعية.
المتحور الجديد يسمى "بي.1. 1529" أو "بتسوانا"، نسبة إلى الدولة الإفريقية حيث تم اكتشاف أول حالة إصابة به يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أثار حالة من الفزع بين علماء الفيروسات، لوجود 32 طفرة في بروتين فيروس كورونا، وهو الجزء الذي يلتصق من خلاله الفيروس بخلايا الجسم.
وبصورة عامة، تسمح الطفرات المفاجئة التي تطرأ على الفيروسات بالتكيف كما يجعلها أكثر ضراوة، وأكثر قدرة على مراوغة المناعة الطبيعية واللقاحات. وبالتالي يمكن أن يكون هذا المتحور مصدر قلق حقيقي، وذلك لأن الطفرات الـ32 التي رصدت في "بروتين سبايك" الموجود على سطح فيروس كورونا، تمكّنه من تفادي المناعة البشرية بسهولة، وبالتالي انتشار الفيروس بسرعة بين البشر.
مقاومة الأجسام المضادة والقدرة على الانتشار
بعد تشخيص أول إصابة بمتحور "بوتسوانا" في جمهورية بوتسوانا جنوب القارة الإفريقية، تم العثور في وقت لاحق على 6 حالات أخرى في جنوب إفريقيا، الدولة المجاورة. وبعد ذلك، تم اكتشاف إصابة ثامنة بنفس المتحور في هونغ كونغ لرجل كان عائداً من جنوب إفريقيا، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وعلى الرغم من أن عدد حالات الإصابة المثبتة بالمتحور الجديد حتى صباح اليوم الخميس 25 نوفمبر/تشرين الثاني، 10 حالات فقط في الدول الثلاثة (بوتسوانا، جنوب أفريقيا وهونغ كونغ)، إلا أن العدد غير المسبوق من الطفرات في البروتين "سبايك" في الفيروس سبب حالة من القلق الشديد بين علماء الفيروسات، بحسب تقرير الغارديان.
وهذا ما عبر بيكوك في سلسلة من التغريدات عبر تويتر، إذ قال "من المهم جدا مراقبة الموقف بدقة شديدة بسبب هذا العدد المرعب من الطفرات في بروتين الصاعد (سبايك)، مستدركاً أنه ربما يكون "تجمعاً شاذاً للطفرات وليس معدياً بصورة كبيرة. أتمنى أن تكون تلك هي الحالة".
وقالت الدكتورة ميرا تشاند مديرة لجنة الطوارئ الخاصة بكوفيد-19 في هيئة السلامة الصحية في بريطانيا للغارديان إن لندن، بالشراكة مع الهيئات العلمية حول العالم، تتابع متحورات كورونا بدقة في جميع أنحاء العالم.
الطفرات المتحورة لفيروس كورونا
وأضافت تشاند: "لأن طبيعة الفيروسات هي التحور الدائم وبشكل عشوائي، ليس أمراً شاذاً ظهور عدد قليل من الإصابات تحمل مجموعة جديدة من الطفرات. وأي متحور تظهر أدلة على سرعة تفشيه يتم تقييمه بسرعة".
رسالة بيكوك التحذيرية لفتت أنظار فرانسوا بالوكس مدير معهد الهندسة الوراثية في جامعة لندن، الذي قال لمركز العلوم إن "العدد الكبير من الطفرات يبدو وكأنه تراكم بصورة أحادية ما يرجح كون المصاب الأول بذلك المتحور من كورونا كان مصاباً بفيروس نقص المناعة أو الإيدز"، بحسب موقع News الأسترالي.
وأضاف بالوكس أنه من الصعب الجزم بما قد يحدث عن إصابة مريض بفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز بمرض كوفيد-19 الناتج عن فيروس كورونا، وهذا المزج يعد أمراً نادر الحدوث: "أتوقع بشكل شبه جازم أن يكون نتاج هذا الخليط أمراً يستحيل التكهن – دون تجربة – بما قد ينتج عنه، وبالتالي من الصعب جداً إصدار أحكام بشأن المتحور الجديد الذي تم رصده ومدى قدرته على الانتقال".
"حتى الآن تم اكتشاف أربع سلاسل إصابة في منطقة جنوب أفريقيا، وقد يكون موجوداً في مناطق أخرى من أفريقيا"، لكن بالوكس استدرك أنه "مع ضرورة المراقبة الصارمة للمتحور الجديد والتحليل الدائم للحالات المثبتة، إلا أنه لا يوجد سبب للفزع أو المبالغة في الخوف، طالما لم يتم رصد حالات انتشار متسارعة بعد".
رافي جوبتا أستاذ علم الميكروبات في جامعة كامبريدج قال للغارديان إن التجارب المعملية أثبتت وجود طفرتين من طفرات متحور بتسوانا تتسببان بالفعل في تقليل قدرة الأجسام المضادة على مكافحة العدوى.
"الطفرات بالفعل تدعو للقلق من ناحية تخفيض قدرة عمل الأجسام المضادة بكفاءة. لكن هناك صفة أساسية لا تزال مجهولة فيما يتعلق بالمتحور الجديد وهي القدرة على نقل العدوى، وهذه الصفة تحديداً هي ما تميزت بها متحورات دلتا. الهروب من المناعة أو التغلب عليها جزء واحد من الصورة".
التوقيت الأسوأ لهذا الاكتشاف
قبل يوم واحد من انتشار التقارير بشأن "بوتسوانا"، أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريراً أصاب الأوروبيين بالفزع، إذ توقعت المنظمة الدولية أن ترتفع أعداد وفيات كورونا في القارة العجوز إلى 2.2 مليون وفاة بنهاية فصل الشتاء الحالي، إذا ما استمرت الموجة الحالية على حالها.
تقرير منظمة الصحة العالمية صدر في توقيت تحولت أوروبا فيه مرة أخرى إلى بؤرة وباء كورونا رغم تمتع القارة العجوز بمعدلات تطعيم مرتفعة، مما جعل النمسا تقر سياسة اللقاح الإجباري لجميع مواطنيها، وتفكر ألمانيا الآن في اتباع نفس السياسة، رغم المعارضة الشرسة من جانب المتمترسين خلف حرية التعبير.
عودة وباء كورونا إلى أوروبا بتلك الشراسة في موجة رابعة مفزعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، تسببت في حالة من القلق الشديد حول العالم، خصوصاً أن القارة العجوز تعتبر من أكثر مناطق العالم نجاحاً في حملات التطعيم ضد الفيروس القاتل.
والسبت 20 نوفمبر/تشرين الثاني، أصبحت هولندا أول دولة في أوروبا الغربية تعيد إجراءات الإغلاق الجزئي في البلاد لمواجهة الموجة الجديدة من الفيروس القاتل، بينما بدأت النمسا الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني إغلاقاً كاملاً على مستوى البلاد، مما تسبب في حالة من الغضب كون الإجراء غير مقبول.
وفي هذا السياق، من الطبيعي أن يتسبب الحديث عن متحور بتسوانا الحامل لهذا العدد الضخم من الطفرات في حالة من الهلع بين علماء الفيروسات، إذ إن القياس على سلالة دلتا مزدوجة الطفرة وما تسببه من انتشار سريع للعدوى تسبب في ذلك القدر من القلق، خوفاً من أن يكون متحور بتسوانا (32 طفرة) ليس مجرد حالات شاذة.
بريطانيا، على سبيل المثال، ألغت القائمة الحمراء الخاصة بمنع السفر إلى أو الوصول من دول بعينها توجد بها حالة وبائية خارج السيطرة، وبالتالي لا تفرض قيوداً على القادمين إليها طالما حصلوا على اللقاح أو يحملون فحصاً سلبياً خاصاً بكورونا تاريخه 48 ساعة قبل الوصول. ويخشى علماء الفيروسات هناك من أن مصاباً واحداً بمتحور "بتسوانا" الجديد لا تظهر عليه أعراض يدخل إلى البلاد قد يتسبب في بؤرة للتفشي.
أما في جنوب أفريقيا، حيث اكتشف بالفعل عدد من حالات الإصابة بمتحور بتسوانا، تسود حالة من القلق الشديد، فالبلاد شهدت من قبل ظهور متحور نسب إليها كان مقاوماً لبعض اللقاحات، خصوصاً أسترازينيكا البريطاني، وبالتالي يخشون من تفشي المتحور ذي العدد الهائل من الطفرات.
الخلاصة هنا هي أن متحور بتسوانا الجديد قادر على الهروب من الأجسام المضادة، سواء نتجت عن اللقاحات أو أفرزها الجهاز المناعي بشكل طبيعي، لكن مدى قدرة المتحور المخيف على الانتشار لا تزال مجهولة.
عربي بوست