حين يكون الحديث عن بريطانيا يكون الحديث عن دولة تتحرك استراتيجياً حتى بعد تغير معادلة العالم بعد الحرب العالمية الثانية، فما رسمته بريطانيا من معالم وتضاريس سياسية وجغرافية في منطقتنا ما زالت قائمة بل هي حقائق واقعنا العربي.
وبريطانيا تعلم بل وسمحت منذ عقود لنشاط مؤيد لحماس اعلامي وسياسي ومالي على ارضها، وهي تعلم كل ما سمحت به وليست دولة غبية، وأوروبا بشكل عام كانت على تواصل واتصال سياسي مع حماس خلال اكثر من عقدين من الزمان، لانها تعلم ان واقعا فلسطينيا اسمه حماس لا يمكن تجاهله ولا يمكن الابتعاد عنه دون محاولة فهمه والتأثير عليه، تماما مثلما كان الامر مع منظمة التحرير التي كانت تصنف ارهابا وكان الاتصال معها محرما، لكننا فجأة وجدنا ابواب اوروبا وواشنطن تفتح لها بعدما قررت ان تقايض الاعتراف بها بالقبول بقرار ٢٤٢ الذي ينص على الاعتراف بإسرائيل، وأصبح ياسر عرفات مرحبا به في البيت الابيض الى ان اصبح لا يستطيع تقديم شيء إضافي لأميركا وإسرائيل.
بريطانيا ليست دولة انفعالية او تتخذ قرارات بدافع أمني وتوتر لحظي، وإسرائيل ليست بحاجة إلى إثبات أن بريطانيا منحازة لها، فمن فتح الأبواب لقيام اسرائيل هي بريطانيا وما زالت حليفا استراتيجيا لها، كما ان بريطانيا التي واكبت نشوء الاخوان المسلمين في مصر في الثلث الاول من القرن الماضي، تدرك أن «حماس» تنظيم ذكي، وأنها عملت منذ تكوينها بشكل ذكي بل تفوقت على جماعتها الام الاخوان المسلمين، فحماس استثمرت كل تعاطف او انحياز معها من الفلسطينيين والعرب والمسلمين في العالم العربي والإسلامي وأوروبا وأميركا وافريقيا لبناء مؤسسات داعمة بكل المجالات، واينما وجدت مساحة قامت باستثمارها وفق المتاح لهذا فليس هناك جغرافيا مركزية لنشاط حماس خارج فلسطين.
واذا كانت منظمة التحرير قد صنعت ثقلها العسكري خارج فلسطين في الاردن ولبنان وسوريا وتونس واليمن والسودان... وكان ثقلها في الداخل عسكريا أقل فان «حماس» كان ثقلها العسكري في غزة التي انسحبت منها إسرائيل، وكل نشاط حماس في الخارج داعم حتى في مجال الامن والتدريب والتزويد العسكري، بل أن سيطرة «حماس» الكاملة على غزة جعلت من جغرافيا الداخل الاكثر اهمية في دوائر التأثير في الحركة.
مشكلة «حماس» مع الغرب أنها تتحدث معهم بلغة سياسية وتحاول الظهور باعتدال لكن دون تنازلات سياسية وجوهرها قبول فكرة التفاوض السياسي والمباشر مع إسرائيل، وكلما كان هناك عدوان على غزة تترسخ القناعة في إسرائيل وكل حلفائها أن القضاء على «حماس» عسكريا لم يعد ممكنا، فالأمر ليس كما حدث مع منظمة التحرير في لبنان عام ١٩٨٢، وأن جلب «حماس» الى العملية السياسية هو الحل الوحيد، وحماس تتحدث عن قبولها بدولة فلسطينية على حدود عام ١٩٦٧ لكنها لا تعلن استعدادها للتفاوض المباشر مع اسرائيل.
أما حلفاء «حماس» في الإقليم من عرب ومسلمين فحتى الآن لم ينجحوا في التأثير عليها للذهاب للمفاوضات رغم المحاولات المتعددة، ولهذا فإن بريطانيا دولة الاستراتيجيات وخطط المدى البعيد تدرك أن الخدمة الكبرى لإسرائيل هي في تغيير مسار حماس السياسي، وهو أمر لا يبدو سهلا لكنه الطريق الوحيد لخدمة إسرائيل لعقود طويلة.
الرأي