أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة تبليغات قضائية مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

“الرنوك” وهوية الدولة في التاريخ الإسلامي.. استخدمها المماليك أولاً واعتمدتها دول العالم الحديث

مدار الساعة,أخبار ثقافية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - لمعظم -إن لم يكن كل- الدول والجيوش والمؤسسات الرسمية حول العالم أعلام خاصة بها، وبعضها يكون له شعارات أيضاً بجانب الأعلام المميزة، مثل أمريكاً، فبجانب العلم المخطط بـ 13 خطاً أفقياً بالأحمر والأبيض مع مربع أزرق يضم خمسين نجمة بيضاء، هناك شعار النسر الأصلع ذي الرأس الأبيض، الذي يحمل 13 سهماً بإحدى قدميه، وغصن زيتون بالقدم الأخرى، ذلك الشعار الذي أصبح رمزاً قومياً للولايات المتحدة الأمريكية، وفكرة الشعارات أو "الرنوك" ممارسة تاريخية بدأت من عهد المماليك.

الرنوك أو الشعارات بدأت في عهد المماليك
فكرة الشعارات (الرنوك) بجانب علم الدولة قامت في عهد المماليك، واستخدم ليدل على شخصية واحدة محددة في الدولة، مثل منصب السلطنة أو أحد الأمراء، كلمة الرنك مصطلح فارسي كان ينطق بالجيم -أي رنج- إلا أنه انتقل للعربية بحرف الكاف ليصبح (رنك)، الذي يعني الشارة أو الشعار.
"الرنك استُخدم للدلالة على الشارة أو الشعار الشخصي الذي اتخذه الحاكم أو السلطان لنفسه، كما استُعمل الرنك أيضاً للدلالة على الوظيفة التي كان يشغلها الأمير في البلاط السلطاني"- الدكتور أحمد عبد الرازق، أستاذ الآثار في جامعة عين شمس، في كتابه "الرنوك الإسلامية"
ورغم أن الرنوك استُخدمت بكثرة من قِبل سلطنة المماليك، فإن استخدامه كان من قبل نشأة دولتهم، إذ استخدمه عماد الدين زنكي، الذي اتخذ من زهرة اللوتس شعاراً له، والتي كان يطلق عليها "الفرنسيسة"، الذي يُعد من أوائل المستخدمين للرنوك.
كما كان أشهر من استعمل رنكاً في التاريخ الإسلامي هو صلاح الدين الأيوبي، الذي اتخذ من النسر شعاراً له، كما استخدم الظاهر بيبرس -أحد أبرز قادة دولة المماليك- السبع (الفهد) رنكاً خاصاً به، كما استخدمه من بعده ابنه السعيد بركة خان.
أما عن الأمراء فكان الرنك يعبر عن الوظيفة التي يؤديها الأمير، إذ لا يرتبط الرنك بشخص الأمير، بل بوظيفته، فعلى سبيل المثال يخصص رنك "السيف" للسلحدار، أي المسؤول عن مستودعات الأسلحة في الدولة، ورنك "الدواة" للدوادار، أي كاتب السلطان، وشعار القوس الذي كان يحمله أمير الحرس الشخصي للسلطان، والذي كان يطلق عليه البندقدار، ومنه جاء اسم الظاهر بيبرس البندقداري.
يقول أبو العباس القلقشندي في كتاب "صبح الأعشى": "من عادة كل أمير كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين دواة أو بقجة أو فرنسيسة ونحو ذلك، بألوان مختلفة، كل أمير بحسب ما يختاره من ذلك ويؤثره".
الرنوك في العصر الحديث له جذور إسلامية
تستخدم الجيوش اليوم، وكذلك أجهزة المخابرات والمؤسسات الرسمية في الدولة شعارات تبرز قوتها وسطوتها وتعكس شخصيتها، وهذا لم يكن منقولاً من الحضارة الغربية الحديثة، بل له جذور إسلامية كما بيّنا في بداية هذا التقرير، إذ ظهر استخدامه جلياً في الدولة الأيوبية على يد مؤسسها صلاح الدين الأيوبي، ومن قبلها الدولة الزنكية على يد مؤسسها عماد الدين زنكي.
كانت الرنوك سمة أساسية يفتخر بها السلاطين والأمراء في العصر المملوكي، إذ باتت الرنوك أحد أهم مكونات البلاط المملوكي والعمارة وفن زخرفة المنمنمات في العهد المملوكي الذي زين شوارع القاهرة ودمشق والعديد من أنحاء مصر والشام، حيث انتشرت رنوك السلاطين والأمراء على المساجد والأبراج والقلاع والمدارس والحمامات، وكذلك على النقود والملابس والخزفيات والسجاجيد والتحف والمقتنيات الفنية وأدوات الطعام والشراب والأسلحة وغيرها من الأشياء.
يقول القلقشندي: "ويجعل ذلك على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كالمطابخ وشون الغلال والأملاك والمراكب، وعلى قماش خيولهم، وعلى السيوف والأقواس وغيرها".
وتقول طالبة الماجستير رشا عدره، في رسالتها المقدمة بكلية الآداب قسم الآثار والمتاحف بجامعة دمشق "الرنوك المملوكية في دمشق"، أن الألوان في الرنوك أيضاً كانت تختلف دلالتها من رنك إلى آخر، فرنك الكأس الذي يحمله ساقي السلطان، إذا كان بالأحمر فهو يشير لأحد سقاة السلطان، وإن كان الكأس باللون الأزرق فهذا رنك لشخص آخر مختلف عن الأول.
وكانت تلك الرنوك وألونها لا توضع بشكل عبثي، بل كان هناك ديوان خاص يسمى "ديوان الإنشاء"، يعمل على وضع قوانين لتلك الرنوك، لتُختار أشكالها وأنماطها وألوانها بشكل مدروس، وكان ديوان الإنشاء هذا مسؤولاً أيضاً عن ألقاب السلاطين والأمراء والمراسم الديوانية.
السلاطين والرنوك
تشير الباحثة مروة عادل، المتخصصة في الآثار الإسلامية، في بحثها عن الرنوك الإسلامية، أن رمز النسر المنحوت في قلعة الجبل يرمز إلى صلاح الدين الأيوبي، في حين كانت المنشآت في عهد الظاهر بيبرس زاخرة برنك الفهد، والذي اعتُبر دليلاً على شجاعته وبطولته، وكونه رائداً في التصدي للخطر الصليبي.
كما تقول الباحثة إن اسم "ببر" بالفارسية يعني فهد، وهو المقطع الأول من اسم بيبرس، فيما تعني "برس" بالتركية الفهد أيضاً، وبهذا يتضح أن الرنك الخاص ببيبرس معبر أيضاً عن اسمه وليس صفاته وما يتحلى به فقط.
وعلى النقود، سُك رنك الظاهر بيبرس، وهو نفس الرنك الذي ظهر على العديد من المباني والمنشآت المعمارية، كما استخدم نفس الرنك بعض سلاطين بني قلاوون على نقودهم مثل السلطان الناصر محمد، وكذلك استخدمه بعض السلاطين الجراكسة مثل السلطان الظاهر برقوق، وهو ما جعل هذا الرنك أحد أبرز رنوك دولة المماليك وأكثرها انتشاراً في مصر والشام.
أنواع الرنوك
ويمكن تقسيم الرنوك إلى عدة أنواع، هي:
1- الرنوك البسيطة: تنقسم بدورها إلى رنوك شخصية -مثل رنوك السلاطين- ورنوك وظيفية مثل رنوك الأمراء المرتبطة بالوظيفة وليس شخص الأمير، وعادة ما تتكون هذه الرنوك من شكل واحد يرمز إلى شيء واضح، مثل الفهد الذي يرمز إلى الشجاعة والجسارة، أو السيف الذي يدلل على وظيفة السلحدار.
2- الرنوك المركبة: تشتمل على أكثر من شكل، حيث بدأت الرنوك في البداية بالرنوك البسيطة، ثم تنوعت أشكالها ليصبح الرنك الواحد به 9 رموز أو شعارات. ويعود هذا الأمر لحمل أمير ما لأكثر من وظيفة، فيكون الرنك الذي يحمله به كل الرموز المعبرة عن الوظائف التي تولاها.
إذ إن من عادة المماليك الاعتزاز والفخر بكل ما مروا به من وظائف بسيطة منذ تطوعهم في الجندية، فكانوا يحتفظون بكل رنوك الوظائف التي قاموا بها، الصغيرة منها والكبيرة، وبهذا تُضاف شارة الوظيفة الثانية بجانب الوظيفة الأولى لتكون عدداً من الرنوك هي ما قام بها الشخص في حياته.
3- الرنوك الكتابية: وهي رنوك كانت خاصة بالسلاطين فقط، وتكون أشكالها عادة على شكل دائرة مقسمة إلى 3 أجزاء، بها اسم السلطان، وألقابه، والدعاء له، وتُقرأ عادة من الجزء الأوسط ثم الجزء العلوي، ثم الجزء الأخير في الأسفل، طبقاً لما ذكرته الباحثة في الفنون التطبيقية داليا عبدالمنعم في بحثها عن الرنوك.
النساء في عهد المماليك والرنوك
لم يكن نساء المماليك يشغلن أي مناصب مباشرة في الدولة، لذا لم تكن النساء يمتلكن أياً من الرنوك، لكن رغم ذلك كان الكثير من نساء المماليك يتزينّ برنوك خاصة بآبائهم أو أزواجهم، والتي تدل على أنهم من بيت ذي سطوة وله علاقة بالسلطان.
كان النساء يستخدمن تلك الرنوك لتزيين بيوتهن، وكذلك كنّ يستخدمنها لتوضع على ملابسهم والتحف الفنية الخاصة بهن لإبراز عراقتهن وطبقتهن الاجتماعية. بينما كان عامة الشعب من النساء والرجال يرسمون الوشوم على أجسادهم المقتبسة من رنك ما أو يضعونه على ملابسهم، وذلك لما لصاحب هذا الرنك من خير عليهم، أو لسيرة صاحب الرنك الطيبة، فيستخدمه الناس تيمناً به وحباً له.
كما كان البعض يستخدمون الرنوك لشكلها الجميل والجذاب فحسب، وبهذا أصبح استخدام الرنوك تراثاً وأحد مظاهر المجتمع في عهد المماليك.
استمر استخدام الرنوك من العهد المملوكي وانتقل إلى العهد العثماني مع دخولهم الشام ومصر، إذ استخدمه السلطان سليم الأول، الذي انتشر على أغلب البيوت في القاهرة عندما دخل مصر، وكذلك كان لكل السلاطين العثمانيين رنوك كتابية، تدعى "طغراء"، وهو ما يُعد تطوراً لفن الرنوك عند العثمانيين.
كما أن الفرسان والنبلاء في أوروبا نقلوا استخدام الأوسمة والشارات عن طريق الاحتكاك بالفرسان المسلمين، الذين كانوا يستخدمون تلك الرنوك تمييزاً لكل كتيبة ووظيفتها، للتفريق بينها أثناء الحرب وبين العدو.
ولا شك أن الرنوك -خاصة في العهد المملوكي- لعبت دوراً كبيراً في تشكيل المجتمع المصري والشام، الذي كان يتباهى بالانتماء إلى وظيفة ما، والتي يبينها الرنك الذي يحمله، وقد أصبح بمثابة شرف ورتبة وسط الناس، كما يحدث الآن عندما تتباهى بعض الشخصيات بزيها المعروف والمميز عن باقي الملابس، وانتمائهم لطبقة ما في المجتمع، مثل العسكريين، أو تمايز الرتب العسكرية في الجيش، حيث تدل كل رتبة على مكانة اجتماعية يكتسبها صاحبها من هذه الرتبة.
عربي بوست
مدار الساعة ـ