بقلم خالد دلال
من المؤكد أن يلقى تكليف أول رئيسة للوزراء في تونس والعالم العربي جدلا كبيرا في قادم الأيام، خصوصا في وسائل التواصل الاجتماعي، وقد بدأ فعلا، بين مؤيد لحق يراه الكثيرون مشروعا للمرأة العربية، والتي أثبتت عبر التاريخ، وفي كثير من مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، قدرتها على الإدارة الحصيفة المتوازنة العملية، وبين من يراه، وتحديدا في التجربة التونسية، خطوة تجميلية شعبوية إعلامية أراد من قام بها تحقيق مآرب سياسية، واللعب على وتر الجندرية والمساواة بين الرجل والمرأة، خصوصا مع الجدل السياسي القائم بين الفرقاء هناك، في وقت تشهد فيه البلاد انقساما اجتماعيا حادا يترافق مع تفاقم في الأزمة الاقتصادية.
لكن رغم كل ذلك، تبقى الخطوة مهمة للعديد من الاعتبارات كونها الأولى من نوعها، وقد يراها البعض محفزا لخطوات مشابهة في عالم عربي يعاني ما يعانيه من أزمات متجذرة ومزمنة ومتشعبة في مختلف مناحي الحياة. وقد تأتي الحلول على يد حكومات المرأة لا الرجل.
لن تكون تجربة رئيسة الوزراء التونسية المكلفة، نجلاء بودن، سهلة أو مفروشة بالورود. فتونس والعرب، ومن قبلهم العالم، سيراقب تفاصيل الحدث وما ستؤول إليه الأمور، خصوصا بما يتعلق بالإصلاح الديمقراطي في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاد انطلقت منها، قبل عقد ويزيد، شرارة الربيع العربي، الذي ما لبث أن أضحى خريفا بامتياز لاعتبارات عديدة يطول شرحها فلسفيا وواقعيا، سياسيا واجتماعيا، وما تزال دول وشعوب تعاني تداعياتها، ولنا في سورية مثالا.
أول من سيسعد بالحدث الآلاف من المؤيدين لحقوق المرأة في المنطقة والعالم، خصوصا من يؤمن أن المرأة قد لحقها ظلم كبير عبر التاريخ في منطقتنا، ولم تأخذ فرصتها كما هو الحال في شرق الأرض وغربها، وهي التي قادت الإمبراطوريات، والتاريخ شاهد بالأمثلة من كليوباترا وزنوبيا وغيرهما.
بودن، المختصة في علوم الجيولوجيا قد تكون القادرة على سبر السياسة والاقتصاد والمجتمع في تونس، وتقديم نموذج يحتذى، خصوصا وأنها من التكنوقراط المشهود لهم بالحيادية والموضوعية والبراغماتية فكرا وممارسة، وهي الخبيرة في برامج البنك الدولي في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تونس، والبعيدة عن الحزبية السياسية.
على بودن أن لا تقع ضحية التجاذبات السياسية الحادة في تونس، وأن لا تقدم نفسها على أنها رئيسة جاءت للتباهي أمام الرأي العام العالمي كونها امرأة، بل عليها التمسك بكامل حقوقها الدستورية على أنها رئيسة وزراء لكل تونس، وفي ذلك نجاحها ونجاح من يؤمن بها وبتولي المرأة للمسؤولية في الداخل التونسي وخارجه.
ليس من الموضوعية تقديم قراءة تفصيلية للحدث الآن، فالصورة في بداية تشكلها، وملامحها ستتضح أكثر في مقبل الزمان. وعليها سيكون بناء الأحكام. لكن بودن لديها الفرصة لتكون المرأة الحديدية في تاريخ تونس والمنطقة، كما نجحت في ذلك رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، التي أثبتت حضورها الفولاذي أمام شعبها وأوروبا والعالم.
الأمر ليس هدية من المجتمع الذكوري العربي، بل حق طال انتظاره للمرأة العربية، من وجهة نظر الملايين من النساء في العالم العربي. وهذا ما يجب أن يكون عليه أساس الانطلاقة لنجلاء بودن في معترك السياسة.
فهل تنجح ابنة مدينة القيروان التاريخية، وهي المدينة التي انطلقت منها الحضارة العربية الإسلامية في المغرب العربي على يد القائد عقبة بن نافع، والحاضنة لمسجد القيروان الشهير ومكتبة بيت الحكمة الرائدة، في ذلك؟.الغد