كتب.. سيف الله حسين الرواشدة
صديقي القارئ، اعذرني إذ أنّي سأبتعد عن كلّ آداب و فنون المقالة، فلا أنا أملك لك مقدّمة تمهّد لتسلسل أفكارٍ موزّعة على فِقراتٍ مهذبةٍ، ولا بين يديّ لك خاتمةٌ تكثّف ما بُني فوقها بجمل محكمة.
جلّ ما أريد أن أقوله هنا، مختزلٌ في جملةٍ واحدة ” أن أفتوا بحرمة الظّلم“ فهذا اليوم أولى من تكديس فتاوى مبطلات الصّيام و نواقض الوضوء بكلّ أنواع مفصل الريح التي يخرجها الإنسان، الفتوى اليوم بحرمة الفقر و غياب الحرّيات و تعطيل العقول و السّلب و النّهب من المال العام، أولى من تدارس أحكام المرأة و المداعبة، و تذكير النّاس بالفرض المنسيّ، عِمارة الأرض و خلافتها أولى من الدّعاء بالسّحق و المحق على كلّ غريبٍ ظلمنا، و ظلم ذوي القربى أشدّ يا شيخي و أنتم و لو أنساكم الشّيطان تعلمون.
و اسمحوا لي إذ أنّي لا أقبل أيّ منطقٍ مريضٍ يبرّر لمن يقف على منبر رسول الله، أن يخطب بالنّاس زمجرةً و غضبًا عن مظاهر التّدين و عن جزعه الشّديد لانحلال الأجيال الجديدة و أنّه لا تهتزّ له شعرةٌ إذا ذكر الظّلم أو القهر و العوز و الفساد و أطلت المحسوبية و الإنهزام للعادي، و قتل الحرائر و الأطفال، و تأخّرنا عن العالم ألف عامٍ أو تزيد. ألم يسمع شيوخنا بفقه الأولويّات و سيرة المصطفى محمّد، و صدر الإسلام في المدينة، ألم يروا أنّنا قعدنا عن بناء الحضارة و عمارة الأرض و انصرفنا الى ما يجعلنا نعيش على النّاس تطفلًا ونادرةً لأحاديث المساء.
و أي غضب من الله حلّ علينا إذ أصبح يثيرنا وجه فتاة و بعض ذراعها غيرةً على صيامنا و لا تحرّكنا دموع القهر و الجوع و قرع حديد الغاصب للأرض و الإنسان، أي بأسٍ حلَّ بنا ليمسي طعم علقم السّكوت عن الحقّ عسلًا و النّوم على الضيم راحةً و سباتًا، و أيّ غفلةٍ حاقت بنا لنفقد مشروعنا ليضيع العمر انتظارًا و قعودًا.
أيّ طامّة أخفت عنّا الحسين بن على رضي الله عنهما و وقوفه في وجه الظّلم و انتصار الدّم على السّيف، و فخر الإسلام أبو سعد الهروي لمّا قال للخليفة أنّ اسقاط تكليف الصيام في رمضان أهون عند الله من التّخاذل في نصرة المسلمين و قبول الظّلم و الدّعة و الجلوس و ميزان العدل مائل و الظّلمات تحاصر النّور، و أيّ حياء بقي يمنعكم أن تقولوها صراحًا جهارًا نهارًا .... أنّ الظلم حلال طيّب.
و دعني أختم يا صيقي برجاء العفو من الله لا من خلقه، أن يا رحمن اغفر لنا قعودنا و خوفنا و قلّة حيلتنا و اعفُ عنّا إذ ظلمنا الخلق كلهم لمّا حجبنا عنهم ما حفظته يا الله في قرآنك بسوء أعمالنا و حرمناهم رحمة الإسلام و عظمته بكل ما افتريناه على أنفسنا و عليهم، ألوذ بك يا الله وأعوذ بك من غضبك علينا لمّا قبلنا الظّلم وتعطيل العقول و العدوان و خراب الأرض و يوم عظُم في قلوبنا زيف المهادنة والخوف من خلقك، و غفلت قلوبنا عن لقائك، و ارحمنا يا رحيم و استعملنا في إقامة ميزان عدلك و عمارة أرضك و هداية خلقك الى رحمتك و نورك.
والله من وراء كل مقصد و الحمد لله رب العالمين الذي حرم الظلم على نفسه وخلقه.