انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

عن هاني الذي أبَّناه

مدار الساعة,مقالات مختارة,المركز الثقافي الملكي
مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/18 الساعة 01:08
حجم الخط


بلال حسن التل

اكتنز اللقاء الذي ضمه المركز الثقافي الملكي مساء يوم الخميس الماضي لتأبين الزميل المغفور له بإذن الله هاني الحسامي أكثر من قيمة ومعنى، وفي الطليعة من هذه القيم التي اكتنزها هذا اللقاء وعبر عنها قيمة الوفاء التي جسدتها كوكبة من الزملاء الذين تنادوا لتأبين هاني بعدما عرفوه عن قرب، وتجاوزت علاقتهم معه علاقة زمالة الوظيفة وأدائها الرتيب، إلى علاقة الصداقة الحميمة التي تمتد إلى خارج ساعات العمل، بل لعلها كانت الأطول والأكثر ثراء والأكثر صدقا، وهذه واحدة تقودنا إلى الثانية، وهي طبيعة العلاقات التي كانت سائدة بين أبناء الأسرة الصحفية الأردنية وتربط بينهم، فقد كانت هذه العلاقات إلى سنوات خلت أكثر حميمية وأكثر دفئا، وبالضرورة أكثر قربا وإنسانية مما هي عليه الآن، بين الأجيال الطالعة من الصحفيين والإعلاميين، فلسنوات قليلة خلت كان الواحد من الصحفيين يقضي في مكاتب مؤسسته من الوقت أكثر بكثير من ذلك الوقت الذي كان يقضيه في منزله وبين أهله، وفي كثير من الأحيان كانت علاقة الصحفيين ببعضهم أمتن من علاقتهم بالكثير من أقاربهم، لذلك كانوا يحرصون على التواجد مع بعضهم إن لم يكن في مكاتبهم ففي منازل بعضهم أو في أماكن بعينها صارت معروفة بأنها ملتقى لهذه المجموعة من الصحفيين أو تلك، وكانت مشاعر الإنسانية القائمة على الحب والاحترام هي سيدة الموقف في الوسط الصحفي.

حتى في مواسم الانتخابات عندما كان الصحفيون ينقسمون إلى معسكرات لم يكن هذا الانقسام يؤدي إلى غياب لغة الاحترام بينهم، بل لم يكن يباعد بينهم حتى أثناء الحملات الانتخابية، فكثيرة هي الأماسي التي كانت تضم مؤيدي هذا المرشح مع مؤيدي منافسيه في جلسات تسودها المحبة والزمالة الراقية، على قاعدة «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية» و اختلاف الرأي في تلك الأيام كان بينا واضحا وعلى رؤوس الأشهاد، فقد كان جل الصحفيين يعلنون مواقفهم الانتخابية دون مواربة أو خداع، وكانت فئة قليلة منهم هي التي تظل في المنطقة الرمادية التي كانت تشهد التنافس على جذبها نحو هذا المعسكر أو ذاك، دون أن يؤدي هذا التنافس إلى شحناء أو بغضاء، فما هي إلا ساعات على إعلان نتائج الصناديق حتى ينسى الجميع تنافسهم ويعودون أسرة واحدة وتعود أسماؤهم إلى ما كانت عليه قبل أيام الانتخابات.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن سبب هذه الحالة التي كانت تسود الوسط الصحفي الأردني هي أن الغالبية من الصحفيين الأردنيين كانوا أصحاب انتماءات فكرية وسياسية، ومن ثم كانت الكثير من مواقفهم وممارساتهم المهنية تحدد على ضوء هذه الانتماءات، فلم تكن الصحافة مجرد وظيفة ومصدر رزق عند الكثير من الصحفيين في تلك الحقبة.

ومثلما لم تكن المنافسة الانتخابية تحدث شرخا حقيقيا في الأسرة الصحفية أيام زمان، فإن المنافسة المهنية لم تكن تبعد الزميل في الرأي أو الدستور أو وكالة الأنباء عن زميله الآخر، بل لعل التنافس المهني كان من عوامل التقريب أكثر بين الزملاء على الصعيد الإنساني، الذي لم يكن للحظة على حساب التنافس المهني، وهذه هي المعادلة الدقيقة التي نجح الصحفيون الأردنيون من جيل عبد الله العتوم وفايز حمدان وعوني بدر وعمر عبنده ومحمد الخطايبة و مجيد عصفور وأحمد شاكر وباسم سكجها ومروان الشريدة وأحمد الحسبان وغيرهم من اجتراحها، قبل أن يظلنا زمن اختفت فيه المنافسة ليحل محلها البريد الإلكتروني لمدراء العلاقات العامة في المؤسسات محل المندوب الصحفي ولتصبح الكثير من أخبارنا مكررة بلا معنى وبلا روح وبلا مهنية.

ما أريد أن اقوله في هذه النقطة، أن اللقاء التأبيني للمرحوم بإذن الله الزميل هاني الحسامي، ذكرنا بالأيام الجميلة، والعلاقات الدافئة، وبقيمة الوفاء التي أنتجت لقاء الخميس، تكريما لروح هاني الحسامي، وهو لقاء برهن لنا أيضا على حقيقة أخرى هي حقيقة أن الإنسان قادر على أن يحفر مكانته اللائقة به في نفوس معارفه، وفي مجال مهنته، بدون أن يحتاج إلى منصب كبير، يذكر الناس به، ولعل حالة المرحوم الزميل هاني الحسامي الذي رحل عنا دليل واضح على هذه الحقيقة، فهاني رحمه الله لم يحتل منصباً متقدماً في سلم الوظائف، فلم يكن يوماً وزيراً أو مديراً عاماً، ومع ذلك حاز على قلب كل من عرفه، وعلى هذا الحب والاحساس بالفقد، الذي أصاب كل من عرفه، وعرف خصاله التي جعلته قريبا من الناس، الذين أحبوه بصدق تجلى في الحضور المهيب في لقاء تأبينه يوم الخميس الماضي، مثلما تجلى قبل ذلك في مراسم تشييعه وعزائه التي كان الصدق عنوانها، بعيداً عن العلاقات الجافة المبنية على المجاملات الفارغة لأصحاب المراكز المتقدمة، التي لم يكن هاني يوماً منهم لكن فاز بما لم يفز به الكثيرون منهم، أعني حب الناس واحترامهم.

كثيرة هي المعاني والحقائق التي كشف عنها اللقاء التأبيني للراحل هاني الحسامي، ومنها الحقيقة المؤلمة التي تقول أننا في كثير من الأحيان لا نعرف قيمة الأشخاص والمواقف، إلا بعد أن يرحلوا عنا، فلا نملك إلا أن نشيد بمناقبهم، ونترحم عليهم، ونسأل الله الرحمة لهم، ومنهم المرحوم بإذن الله هاني الحسامي الذي ذكرنا يوم الخميس الماضي بالكثير من القيم والمعاني الجميلة و أولها قيمة الوفاء.

المصدر: الرأي

مدار الساعة ـ نشر في 2016/12/18 الساعة 01:08