أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات برلمانيات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية شهادة جاهات واعراس مناسبات الموقف مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

بدلاً من موائد الرحمن وطرود الخير

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

في بيانها الصادر بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، واصلت جماعة عمان لحوارات المستقبل تجديفها ضد التيار، وتحريكها للمياه الراكدة، للتنبيه إلى أن الكثير من هذه المياه صار « آسناً» ولم يعد يصلح للشرب أو الري أو لأي شيء آخر، بل لعله صار مضراً بتحوله إلى مكاره صحية، مما يستوجب التخلص منه، واستبداله بما هو أنفع، وذلك في إطار الدور النقدي الذي تسعى الجماعة للقيام به، والذي تستهدف من خلاله مراجعة الكثير من سلوكياتنا ومفاهيمنا الموروثة أو المكتسبة، والتي أثبتت التجربة العملية أنها لا تخدم قضية التطور والنهوض الحضاري الذي نسعى إليه، كما أنها تشوه الهدف الذي شرعت من أجله الشعيرة أو نزل به النص. كما هو الحال بالكثير من العبادات والشعائر التي أفرغناها من مضامينها الحقيقية ومنها مفهوم الصدقة.

لقد اختارت جماعة عمان لحوارات المستقبل مفهوم الصدقة لتشير في بيانها الأخير بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك إلى موطن الخلل الذي أصابه، وأصاب تعاملنا معه، خاصة في شهر رمضان، الذي يتنافس فيه الناس على أداء صدقاتهم وزكواتهم. وهو التنافس الذي دعت الجماعة إلى تحويله إلى تنافس في إقامة المشروعات الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة التي توفر فرص العمل، وتسهم في إخراج شرائح اجتماعية من حالة الفقر إلى حالة الإنتاج، وتحويلها من قوة معطلة إلى قوى منتجة، ومن مجاميع معاله إلى قوى معيله، وهو الأمر الذي لا يتحقق من خلال المجالات الحالية التي تُنفق عليها الصدقات في شهر رمضان، كموائد الرحمن وطرود الخير، التي أثبتت التجربة العملية أنها لم تسهم بتخفيف جيوب الفقر أو الحد منها، على العكس من ذلك، فكل الأرقام والإحصائيات تدل على تنامي مساحة الفقر وازدياد عدد الجياع، مما يعني أن المبالغ الطائلة التي أنفقت على موائد الرحمن وطرود الخير ذهبت سُداً، خاصة تلك التي خلطت بشبهة رياء اجتماعي عند فاعيلها.

لقد صارت الآثار السلبية لموائد الرحمن وطرود الخير واضحة للعيان، ومحل حديث المجالس عن هذه الآثار السلبية لموائد الرحمن وطرود الخير، من ذلك أن جزءًا كبيراً من الموائد والطرود لا تذهب إلى مستحقيها الحقيقيين، كما أن جزءًا من طرود الخير صار يسهم في بناء سوق موازية، عندما تعمد نسبة لابأس بها من المستفيدين من هذه الطرود إلى بيعها بأسعار قليلة، إضافة إلى أن هذه الطرود صارت مصدراً لمشاكل عائلية، بسبب سطو الفرد القوي في بعض العائلات المستفيدة على هذه الطرود، لبيعها واستخدام أثمانها في الإنفاق على المحرمات والموبقات التي يمارسها هؤلاء، والأهم من ذلك كله أن الأموال الطائلة التي تنفق سنوياً على طرود الخير وموائد الرحمن لم تسهم بحل مشكلة الفقر، مما يستوجب البحث عن أبواب أخرى لإنفاق أموال الصدقات عليها. وهو ما اقترحته جماعة عمان لحوارات المستقبل في بيانها من خلال دعوتها توظيف أموال الصدقات للإنفاق على إقامة مشروعات صغيرة ومتوسطة توفر فرص عمل لأبناء الأسر الفقيرة، لإخراجها نهائياً من خانة الفقر وتحويلها إلى أسرة منتجة.

لقد استلهمت جماعة عمان لحوارات المستقبل في اقتراحها هذا الذي قد ينفذ على شكل تعاونيات أو أية صيغة يتم التوصل إليها عند المعنيين والمهتمين روح ودور الوقف الإسلامي في الحضارة الإسلامية، التي وصلت درجة كان فيها ولي الأمر يبحث عن فقير أو صاحب حاجة فلا يجد، كما وصلت الحال إلى أن يأمر ولي الأمر بنثر الحبوب على رؤوس الجبال لتأكل منه الطير فلا تجوع، بعد أن شبع كل الناس، وهي الحالة التي ساهم الوقف الإسلامي مساهمة كبيرة في الوصول إليها، مقدماً تجربةً حضاريةً فريدة في دور المجتمع المدني في صناعة التقدم الحضاري الشامل لمجتمعه اقتصاديا واجتماعياً وعلمياً وثقافياً من خلال دوره في صناعة ما صار يعرف بالتنمية الشاملة والمستدامة. فأموال الصدقات التي تحولت إلى أوقاف، لبناء المدارس والمعاهد، والإنفاق على طلاب العلم وعلى بناء المستشفيات والطرق، هي التي صنعت كل هذه الحضارة التي نتغنى بها والتي وصل الأمر فيها إلى إقامة وقفيات للكلاب والقطط، وأخرى للزبادي والصحون، وهو الدور الذي يجب أن تستعيده أوقافنا من خلال تصحيح مفاهيمنا للعبادات والشعائر، ومنها الصدقات التي آن الآوان إعادة النظر في آليات توظيفها لخدمة المجتمع كما اقترحت جماعة عمان لحوارات المستقبل في بيانها الرمضاني.

الرأي

مدار الساعة ـ