انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

كل مقاهي الأوهام

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/03 الساعة 09:17
حجم الخط

غازي الذيبة

لا يبدو أحمد النسور بعيدا، ولا محمد طحيمر، ولا مهيب البرغوثي، كلهم كانوا هنا، كانوا عند تلك الطاولة المصابة بالوهن قليلا، والتي ما تزال تحتفظ بأثلامها الصغيرة، وأكواب الشاي المندلقة فوقها.

كان جهاد هديب، يأتي متسللا، يحمل كعادته صحفا لبنانية ومجلات، وكتبا، يراقبها مهيب بعين اللص، فيما ينهمك أحمد في تقليب أفكاره لاجتراح معجزة ثقافية جديدة، تغير الواقع الثقافي الرديء.

كانت تلك تسعينيات القرن العشرين، وكان ذاك مقهى العاصمة.

لم يكن عثمان حسن يبتعد كثيرا عن مراوغة أزهارة العصية على العمل. إنه ينفث سجائره بأصابع تحاول إخفاء صورة المترجم في شبابه، فيما يبتسم أحمد لخريطة الجولات التي نفذها مهيب، وعاد بعدها ببضعة كتب وأفكار، ورغبة مجنونة في القبض على ورقة مهترئة في جيبه، يريد أن يثبت لنا بأنه كتب على سطورها قبل قليل نصا في هجاء المدينة.

لم أكن أكثرهم توهما بأن العالم لنا، كنت أهجس بتغييره ليصبح مثل مسبحة في يد الريح، ولم يكن كل زوار المقهى الذي أُودع الغياب اليوم، إلا مركزا للذاكرة المصابة هذه الأيام بخرف الذكريات المجنون.

أحب أن أتذكر، وأحب أن أنسى، وأحب سندويشات الفلافل من مطعم فؤاد. أحيانا كنا نجمع ما تبقى في جيوبنا من نقود، لنذهب إلى مطعم هاشم، ونتناول الفول والحمص كشعراء، أو كأصدقاء خرجوا للتو من معتقل غريب، لا يضج إلا بالمؤامرات الكونية.

كان عاطف علي يخطف أنفاسه وهو يتقدم على رؤوس أصابعه ليباغتنا عائدا من البحر الميت، ودائما يحمل في جيبه قصيدة مؤجلة، ورغبة طفولية في إنهاء كتاب، يظن أنه جيد.

تلك مساءات عفية في مقهى، غاب، وأنا أتذكره اليوم، وأولئك أصدقاء لم ينتهوا بعد من رسم مخططاتهم الجهنمية لإقامة الدين في مالطة. دعونا نخرج النفط الآن من قلب الهواء المريض برغبتنا في مغادرة عمان:

مهيب احتله الشغف، فذهب إلى رام الله، وعاد إلى عمان كثيرا.

أحمد النسور، يحدق في ممرات المياه بفينسيا، ويحتاج لبعض الهدوء، ليتم لوحته.

عاطف علي، رفض أن يترك لنا شيئا، غادر، وما يزال يحضر بكامل ارتباكه إلى مقهى بسمان.

جهاد هديب، عاد من الإمارات محمولا على الأكتاف، ورسمت تحت شاهد قبره قصيدة حزينة، تهجو السرطان.

عثمان حسن، ما يزال يحدق في زهرته، كأنه لا يريد أن يصمت طويلا، مع أنه مشدوه بالكلمات.

محمد طحيمر في أميركا، يحاول التقاء زياد غانم، والكتابة تحت الصفر المتجمد في أصقاع البوح.

أي ذاكرة هذه التي تطحن القلب، وتُسمِّره لترى؟

مدار الساعة ـ نشر في 2017/06/03 الساعة 09:17