كتب الدكتور محمود الدباس
منذ ان سمعت ولاول مرة قرار اجراء اول انتخابات نيابية في عام 1989.. وكنت حينها في عنفوان الشباب المتقد لممارسة حقي الدستوري في اختيار وفرز رجالات تحمل الهم الوطني.. وتكون ممثلة للشعب الذي يتوق لان يرى اناس لا تلهيهم المناصب ولا المسميات عن خدمة الوطن والمواطن.. اناس نذروا انفسهم لهذا الواجب المقدس النبيل.. غير عابئين بما سيعود عليهم من النفع الشخصي.. او ما سيواجهونه من الضغوطات الحكومية او الاجتماعية..
فبدأت في البحث عن هذا المصطلح الجديد.. وما تعنيه الديمقراطية عند شعوب العالم التي سبقتنا.. لعلي اختار من يعمل على تطبيق الديمقراطية بشكلها المثالي..
فوجدت ان مفهوم الديمقراطية يتمحور حول حكم الشعب للشعب.. وبمستويات مختلفة وطرائق عدة..
ولا اريد في هذه العجالة التطرق لتفصيلاتها.. وما يهمني هو ما سيتم تطبيقه عندنا.. فالدور البارز والمستوى الواضح لهذا المصطلح متركزا على السلطة التشريعية.. اي الديمقراطية البرلمانية.. فيصار الى ايجاد مجموعة منتخبة من قبل الشعب.. تقوم على اداء الدور المنوط بها في سن التشريعات التي تُسَير وتنظم حياة المواطنين والعلاقات بينهم.. وكذلك علاقات الدولة الخارجية.. وتراقب اداء السلطة التنفيذية.. وتقوم بالمحاسبة ان اقتضى الامر..
وهنا لا بد من التنويه والتوضيح الى ان هذا المفهوم يقودنا الى مفهوم حكم الاغلبية وانصياع الاقلية طوعا..
فلعبة الديمقراطية تعني بأن من يمتلك الاصوات الاكثر.. هو من يقود الدفة لتحقيق اهداف ذلك المجلس.. والرقي والازدهار للمواطنين.. بالشكل المناسب وحسب الاصول المتبعة وفقا للنظام الاساسي والداخلي..
فنجد انه من الضروري والاساسي ان لم يكن هناك احزابا افرزت هؤلاء الاشخاص.. فيجب عليهم الانخراط في تكتلات ومجموعات لضمان وضع حجر الاساس لحشد الاصوات اللازمة لتمرير واقرار قرار معين..
هذه المقدمة السريعة سقتها حتى لا ننسى اساس وتعريف هذا المبدأ في الكيفية والالية المتبعة عالميا لاقرار اي تشريع او قرار يعتمد هذا العرف الديمقراطي..
وعندما اعود الى وطني وما يدور فيه من احداث ووقائع ديمقراطية.. اجد ان بعض المرشحين يشعرك بانه قرأ وفهم كل جوانب العملية الديمقراطية.. باركانها.. وفلسفاتها.. وآلياتها.. وما له وما عليه.. وعندما يفوز بمقعد في اي مجلس هو مترشح له.. تجده ينسى او يتناسى المفهوم الاساس في ديمقراطية القرار والنقاش.. ويغيب عن عقله انه كان يتنطع بشعارات تفيد بانه كان على علم ودراية في كافة انظمة ذلك المجلس.. وان قرار الاغلبية هو الذي سيؤخذ به.. وان عليه الانصياع لقرار الاغلبية إن عاكس طرحه او توجهه.. لا بل حتى تبنيه..
فتجده يتوجه الى منابر خارج اطار مجلسه.. ويصدر البيانات.. ويشاكس.. ويعرقل تطبيق ما تم الاتفاق عليه في اروقة وقاعات مجلسه.. لا ان يعمل في ذات الالية لتغييره..
والادهى والامر ان يصرح فائز بمقد في احد المجالس بأنه اكتشف نظاما يخالف توجهاته وقناعاته وحتى ادنى مراتب التعامل الانساني حسب فهمه.. وذلك بعد ان وصل الى ذلك المجلس.. وبعد مضي فترة غير بسيطة.. فيسجل الاعتراض والامتعاض.. وقد يتقدم بالاستقالة مستندا على ذلك الاكتشاف الخطير.. والذي هو للاسف الشديد من بدهيات واساسيات وركائز ذلك المجلس.. فأين هي قناعاتك التي تكونت اثناء الترشح؟!.. واين هي بصيرتك المتقدة والفاهمة لخفايا الامور قبل وصولك الى كرسي مجلسك؟!..
فان كان هذا فكرك ومستوى عمق نظرتك في الاطلاع على انظمة الهيئة او النقابة او المجلس الذي ناضلت للوصول اليه.. فكيف بالله عليك ستقوم بسن تشريعات ناظمة منوطة بذلك المجلس وتحتاج لبصيرة ثاقبة ودراية عميقة ومتشعبة في الكثير من الامور وخفاياها حتى تصل الى قناعة تستطيع من خلالها ربط المفاهيم ببعضها وابداء الرأي في ذلك التشريع او القرار؟!..
للاسف الشديد.. واقولها وانا اعتصر الما على ما نحن عليه من احوال لا تسر..
إن فهمنا القاصر والمبتور للعملية الديمقراطية.. وعدم وجود احزاب وطنية تقوم على تأهيل كوادرها واعدادهم الاعداد السليم لخوض غمار اي انتخابات لاي مجلس.. هي اهم الأسباب التي تفرز لنا اناس تغلب عليهم الفزعة والشعبوية والانانية وحب الظهور.. فتراهم ان لم تسير الامور على اهوائهم.. يركبون موجة المناطقية او العشائرية او الايدولوجية.. فيؤججون المشاعر.. ويلهبون الاحاسيس.. ويظهرون بمظهر المخلص والمحرر.. ويجمعون المؤيدين ممن هم في الاساس على اهبة الاستعداد للسير خلف اي شخص يمتاز بالنقد اللاذع من غير نظرة ثاقبة لتقديم البدائل العملية لاي شيء ينتقده او يعارضه.. او يمتلك فهما عميقا لفقه المرحلة وتوازن القوى وتضارب المصالح..
فالشيء المهم عنده.. ان لا ينصاع الى اتباع الاخرين الذين تمكنوا من جمع اصوات غلبت صوته..
فهذه دعوة لاصحاب التشريع من ابناء اردننا الغالي.. ان تضعوا لنا تصورا جديدا للديمقراطية.. يكون متوائما ومتناغما ومتماهيا مع تركيبتنا الاجتماعية.. وتقسيماتنا المناطقية.. واصحاب الصوت العالي.. ومبدأ عد ارجالك وارد الماء.. وعزة النفس (التناحة) في عدم الرضوخ لرأي الاغلبية..
حمى الله الأردن ملكا وشعبا وأرضا.