كتب: انس صويلح
تأسست قوة الأمن العام في الأردن مع تشكيل أو حكومة أردنية في العام 1921 حيث كان الملك عبدالله المؤسس القائد العام للقوة العسكرية.
وفي العام 1958 ونتيجة لنمو المجتمع وتطور الاحتياجات الأمنية، وجه المغفور له بإذن الله الملك الراحل الحسين بن طلال، بفصل الأمن العام عن الجيش العربي
ومنذ حروب الجيش العربي الأردني وتضحيات أبنائه في القدس والضفة الغربية منذ الأربعينيات وحتى حرب حزيران 1967 والكرامة، شكلت مخافر الشرطة والبادية الأردنية مراكز مقاومة، تساند طلائع الجيش العربي، وتصدت لعدد كبير من الاعتداءات على القرى الفلسطينية والمناطق الحدودية، واصطف شهداء الأمن العام في مواكب من العز على أرض الأردن وفلسطين.
وكان من أبرز الاعتداءات التي تصدى لها رجال الأمن العام، الاعتداء الذي قامت به قوة اسرائيلية على منطقة غور الصافي في فجر 2 حزيران 1948 ، بعد أن زرعت الألغام في طريق الغور - الكرك، وقطعت أسلاك الهاتف، للحيلولة دون طلب المساندة, ثم قامت القوات الإسرائيلية بتطويق مخفر الدرك الأردني، فتصدت لهم قوة الدرك في المخفر وعددها (29) دركياً ، كما تحركت مفرزة من الشرطة الأردنية وقامت بإصلاح خطوط الهواتف وطلبت النجدة، ونظفت الطريق من الألغام، وبعد ذلك راحت تصب نيرانها على القوات المهاجمة, وبوصول الخبر إلى العاصمة عمان، قامت 3 طائرات أردنية بالتحليق فوق مكان القتال, فانسحب الإسرائيليون تحت كثافة نيران المعركة التي اشتدت بسبب ارتفاع معنويات الجنود الأردنيين برؤيتهم الطائرات، وقد تكبدت القوات الاسرائيلية حوالي 40 إصابة, وخسرت القوات الأردنية شهيدين وسبعة جرحى بالإضافة إلى خمسة شهداء من المدنيين من بينهم امرأتان .
وعلى تراب فلسطين وتحديداً في قرية حوسان الواقعة غرب بيت لحم، كان رجال الشرطة الأردنية على موعد مع التضحية والشهادة، عندما تعرض مخفر حوسان إلى اعتداء نفذته قوة اسرائيلية يزيد تعدادها عن 500 جندي في مساء يوم 25 أيلول 1956، وتحركت القوة تساندها المدفعية والمدرعات باتجاه مخفر حوسان, وقامت المدفعيات الإسرائيلية بقصف المخفر بوابل من القذائف قبيل اقتحامه، بعد معركة شرسة ما بين القوات الاردنية من جهة والفرق العسكرية الإسرائيلية المعتدية التي وجدت صعوبة في اقتحام المخفر نتيجة لصمود من كان بداخله.
وسجلت القوات الأردنية المدافعة عن المخفر بسالة وتضحية كبيرة، وكان مسؤول جهاز اللاسلكي في المخفر الشهيد عليان حسين عليان حمامرة، والذي بقي على اتصال مع القيادة العسكرية محاولا طلب التعزيزات لصد العدوان الإسرائيلي عن القرية، ورفض الانسحاب أو ترك واجبه، وبقي ثابتا مدافعا عن موقعه، واخرج جثمانه من تحت أنقاض مبنى المخفر في اليوم التالي. أما الجندي نعمان علي عبد الله حمامرة فقد جرح وانهار عليه الخندق، وتم إنقاذه في صبيحة اليوم التالي , وقد قتل جندي إسرائيلي برتبة رائد أثناء الهجوم على المخفر.
كانت حصيلة الهجوم 9 شهداء من قرية العبيدية، من بين نحو 50 شهيدا، أمّا قتلى القوات المعتدية، حسب الاعتراف الإسرائيلي الرسمي فبلغ 11 قتيلا و18 جريحا، واعتبر الهجوم على مخفر حوسان بأنه المعركة الأكثر ضراوة منذ حرب عام 1948، واستشهد في معركة حوسان ست وثلاثين شهيدا من افراد الحرس الوطني الأردني والجيش العربي الأردني والشرطة الاردنية .
ونهاية فإن الحديث يطول عن تضحيات أبناء الجيش العربي والأجهزة الأمنية الأردنية، ولم يكن الاعتداء على مخفري غور الصافي وحوسان إلا امتدادا لسلسلة من الاعتداءات التي أوفى من خلالها رجال الأمن الأردني بعهودهم أمام الله والوطن والقيادة الهاشمية، ويسجل التاريخ لهم وقفات عز في صد الاعتداءات على مخفر الرهوة في الخليل، ومعركة الدفاع عن قلقيلية ومناطق النبي الياس وعزون، ومعركة السموع التي وقف بها أبناء الشرطة والدرك صفاً إلى صف بجانب زملائهم وإخوانهم من أبناء القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، فاختلطت الدماء الزكية منهم وروت أرض فلسطين.
واليوم تستمر مسيرة العطاء، لأبناء قوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، والأجهزة الأمنية، ويمضي الأردن في ظل القيادة الهاشمية الحكيمة، وارثاً لمبادئ الأمة ومدافعاً عنها وعن مقدساتها، ليعانق المستقبل بنسائم التاريخ وعبق الشهادة والشهداء.