مدار الساعة - "لا نعرف من هو أبو عبدالله الصغير".. كان هذا واحداً من الأجوبة التي تلقاها "عربي بوست" حينما وجّهنا هذا السؤال لبعض أبناء مدينة فاس وسط المغرب، فأغلب أبناء المدينة باستثناء المختصين والمولعين بالتاريخ لا يعرفون أن قبر آخر ملوك الأندلس يقع في مدينتهم، على عكس أضرحة عدد من الأولياء والصالحين التي يعرفها عامة الناس.
وبحسب حمزة الكتاني، باحث في تاريخ الأندلس، وعضو جمعية ذاكرة الأندلسيين المغاربة فإن "أبا عبدالله الصغير حينما توفي في فاس دُفن في تلة مقابلة للأندلس، وكأنه أراد أن يبقى مطلاً عليها، بعدما أُخرج منها عنوة، وجاء إلى بلاد المغرب التي أُهين فيها".
وقد استنجد أبو عبدالله الصغير بحكام تونس ومصر والدولة العثمانية، لكن دون جدوى لبُعد الأرض والمسافة، فاضطر أن يقاوم وحده، خاصة بعدما استولى الإسبان على مالقة، وأبادوا سكانها.
حينما عاد أبو عبدالله الصغير إلى المغرب استقر بفاس، وكان بيته معروفاً بباب الماكينة، وقيل إنه اعتُقل في القلعة الموجودة قبالة باب الماكينة، إلى أن توفي ودفن في المصلى القريب من "باب الساكمة" الآن، وهو الذي ينطلق منه حي المصلى.
وبحسب حمزة الكتاني فقد أظهر السعديون عداء كبيراً للأندلسيين، بل قاموا بعقد معاهدات مع الإسبان تمنع القيام بأي مقاومة جديدة لاسترداد الأندلس. كما اضطهدوا أبا عبدالله الصغير إلى أن توفي.
ويؤكد الكتاني أن وجود قبر أبي عبدالله الصغير في تلك التلة التي تطل على الأندلس يؤكده عدد من المؤرخين، من بينهم مؤرخ الأندلس أبو العباس أحمد بن محمد المقري التلمساني، في كتابه "نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب"، وكذلك الإمام محمد بن جعفر الكتاني في كتابه "سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس".
ويبدو أن الظلم التاريخي الذي لحق أبا عبدالله الصغير واتهامه بخيانة الأندلسيين وتسليم عاصمتهم للإسبان لازمه حياً وميتاً، إذ إن الجهات الرسمية لم تعطِ لقبره أية أهمية على عكس قبور وأضرحة أخرى.
قبران في قبر واحد
هناك حقيقة أخرى، وهي أن بعض أهل فاس يسمون ضريح أبي عبدالله الصغير بقبة سيدي إبراهيم الشكداني، وهو أحد متصوفة مدينة فاس، عاش خلال حكم السلطان العلوي سيدي محمد بن عبدالله.
وبحسب حمزة الكتاني فإنه بعد نحو 200 سنة توفي أحد الأولياء، واسمه سيدي إبراهيم الشكداني، وقاموا بدفنه في الضريح نفسه، وأصبحت تلك القبة مشتهرة بقبة سيدي إبراهيم الشكداني، وهي لم تبنَ في زمنه، الذي كان في فترة السلطان سيدي محمد بن عبدالله، ولكنها قبة أندلسية قديمة. مضيفاً أن "قبر أبي عبدالله الصغير كان قد رُدم آنذاك ودفن فوقه سيدي إبراهيم الشكداني".
هل يعاد الاعتبار لآخر ملوك غرناطة؟
يعتبر الدستور المغربي الهوية الأندلسية رافداً من روافد الهوية المغربية، وهو ما دفع بعض أحفاد الأندلسيين إلى لفت الانتباه لضرورة الاعتناء بهذا التاريخ وإعادة الاعتبار لذاكرتهم.
ويؤكد حمزة الكتاني أن أبا عبدالله الصغير يجتمع فيه مفهوم الهوية الأندلسية بغض النظر عن قيمته وماذا فعل. فهو يعتبر بالنسبة للنشطاء الأندلسيين حلقة الوصل بين ما بعد سقوط غرناطة وما قبله.
وقال المتحدث: "كنا في جمعية ذاكرة الأندلسيين المغاربة قد قمنا بزيارة إلى ضريحه، ووجدناه في حالة مزرية للغاية، وقد رفعنا رسائل إلى الجهات المعنية، لكن دون جدوى".
ويقترح الكتاني ترميم ضريح أبي عبدالله الصغير، وأن تلحق به مؤسسة تعنى بحفظ الذاكرة الأندلسية في المغرب، مضيفاً أن "من شأن ذلك أن يجعل منه مزاراً سياحياً لكل القادمين من خارج المغرب، الذين يريدون التعرف على تاريخه وتاريخ الأندلس".
من جهته، يعتبر المؤرخ المغربي امحمد جبرون أن "أبا عبدالله من الشخصيات التاريخية المؤثرة، والذي يمكن أن يشكل مزاره نقطة جذب للسياح، خاصة الإسبان منهم، لكن من المؤسف أن هناك إهمالاً من المسؤولين، وعدم استثمار لهذا الموروث".
ويؤكد المتحدث أن أبا عبدالله الصغير، آخر ملوك الأندلس يُشكل ذاكرة مشتركة بين المغاربة وبين الإسبان، ويجب رد الاعتبار إلى مرقده، وفاء للذاكرة ولتاريخ الأندلس.