أقرت اللجنة القانونية لمجلس النواب مشروع القانون المعدل لقانون النزاهة ومكافحة الفساد لعام 2020، حيث جرى إلغاء الحكم التشريعي المستحدث الذي يعتبر جريمة شراء الأصوات كما وردت في المادة (59) من قانون الانتخاب بأنها من جرائم فساد، وذلك لغايات ثبوت الاختصاص بملاحقتها لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد.
إن التبعات السياسية للمال السياسي الأسود جسيمة، تتمثل في التأثير سلبا على إرادة الناخبين لصالح ميسوري الحال من المرشحين، وهذا ما يشكل تعارضا مع مبدأ الأمة مصدر السلطات. كما يعتبر شراء الأصوات انتهاكا صارخا لأحكام المادة (67) من الدستور التي توجب معاقبة العابثين بإرادة الناخبين وضمان سلامة العملية اﻻنتخابية في مراحلها كافة.
ورغم أهمية محاربة جريمة شراء الأصوات، إلا أن السياسة العقابية التي اتبعتها الدولة الأردنية منذ سنوات قد عجزت عن احتواء هذه الظاهرة الجرمية، وذلك في التعديلات التشريعية المتلاحقة على قوانين الانتخاب. فقد اعتقد المشرع الأردني أن الحل يكمن في تغليظ العقوبة، فعمد إلى اعتبار هذا الفعل جناية معاقب عليها بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على سبع سنوات في قانون الانتخاب الحالي لعام 2016، وذلك بعد أن كان هذا الجرم جنحة معاقب عليه بالحبس مدة لا تزيد على سنة واحدة في قانون الانتخاب لعام 2001.
إلا أن هذا التعديل لم يقدم الحلول المرجوة، فاستمرت هذه الظاهرة في الانتخابات النيابية المتلاحقة رغم تشديد العقوبة. واليوم يحاول المشرع الأردني الزج بهيئة النزاهة ومكافحة الفساد طرفا في هذه المعادلة الاجتماعية العقابية بأن يعتبر شراء الأصوات جريمة فساد، وذلك دون وجود أي أدلة واقعية تثبت بأن تغيير جهة الملاحقة سيؤدي إلى الحد من ارتكاب هذه الجريمة.
إن جريمة شراء الأصوات رغم آثارها السياسية الكبيرة، إلا أن صورها وأشكالها والمنافع المتربطة بها عادة ما تكون ذات قيمة مالية منخفضة لا تقارن بباقي الجرائم الأخرى التي يثبت الاختصاص بها لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد، كالجرائم الاقتصادية والكسب غير المشروع، وغسل الأموال. بالتالي، لا يمكن إحداث مقاربة فيما بينهما واعتبار شراء الأصوات جريمة فساد، خاصة وأن هذا الفعل معاقب عليه في قانون الانتخاب، والذي يعتبر قانونا خاصا فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة أثناء مراحل العملية الانتخابية.
ومن التبعات القانونية على اعتبار جريمة شراء الأصوات نوع من الفساد أنها لن تكون خاضعة لأحكام التقادم، وذلك أسوة بباقي جرائم الفساد الأخرى. وهذا الحكم سيفتح المجال أمام ملاحقة عضو مجلس النواب المنتخب بعد سنوات من تركه المنصب النيابي والحكم عليه بالحبس بتهمة شراء أصوات. وهذا الأمر سيؤثر سلبا على الثقة العامة في التشريعات التي شارك في إقرارها من قوانين وتعديلات دستورية نافذة، وفي القرارات التي قام بالتصويت عليها، ومن ضمنها الثقة بالبيان الوزاري للحكومات المتعاقبة.
وعلى صعيد القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن اعتبار جريمة شراء الأصوات من قبيل الفساد يشكل تعارضا واضحا مع المعايير الدولية لمكافحة الفساد، إذ لا توجد هناك أي إشارة في كل من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2003 والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد لعام 2010 توجب على الدول الأعضاء اعتبار أي من جرائم الانتخاب من قبيل جرائم الفساد.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
الرأي