كتب: الوزير السابق الدكتور صبري ربيحات
في مطلع السبعينيات من القرن الماضي كنت لا ازال على مقاعد الدراسة في مدارس لواء الصلابة والشقاء في قرية المهاجرين التي تركها اكثر من ٩٠٪ من اهلها بفعل القحط والاهمال..
في القرية التي ينتهي اسفلت الشارع الضيق الواصل بمدينة الطفيلة عند مدخلها وتستسلم الهندسة لايقاع الطبيعة فلا شيء يبدو اكثر صلابة من حجر الصوان الجاثم على مدخل القرية غير بعيد عن العمود "المشقوقة" الذي شكل نقطة الترقب والملاحظة ومحطة التوديع والاستقبال لكل من يدخل عيمة او يغادرها الى عمان او الديار المقدسة.
كانت المواصلات بين عيمة وعمان مباشرة في معظمها. الرسائل والهدايا والامانات وحتى خبز الطابون والبيض البلدي وزيت الزيتون يجري ارساله من عيمه الى افراد الاسر المتغربين في العاصمة ومن خلال اربعة من ابناء القرية الذين تولوا ترتيب رحلات النقل بمواعيد معلومة وحسب ما تيسر.
الركاب والحاجيات والاخبار تنتقل من القرية الى الحي ومن الحي الي القرية بسرعة مذهلة لدرجة ان البعض لم يشعر بأنه غادر القرية بفعل التواصل مع الاهل ممن اثروا البقاء للاهتمام بالمزروعات او لادامة بيوت استضافة الابناء والاحفاد والناخبين الذين سرعان ما يتوافدون على القرية عند سماعهم لانباء تجدد انتخابات البلدية او الاتحاد الوطني او غيرهما من اشكال التجمهر والاستقطاب التي شكلت مناسبات لاعادة التموضع واعلان الانحياز.
حتى ذلك التاريخ لم تحظَ القرية التي احبها المرحوم وصفي التل بعناية اي مسؤول بالرغم من بعض الزيارات الشكلية التي قام بعض المحافظين الذين شغلوا موقع المحافظ لمنطقة الكرك التي كانت الطفيلة ضمن حدودها.
في ذات صباح ربيعي من عام ١٩٧٢ رأيت وللمرة الاولى متصرف اللواء في لباسه الميداني يصحب البلدوزر الذي جاء ليخلع الصخرة الازلية التي احتلت غالبية مساحة الطريق وفرضت على السيارات العابرة التأني لتجاوز حوافها.
صورة المتصرف حسن المومنى كانت اول وابهى الصور التي حملتها ذاكرتي عن الحاكم الاداري الاردني وهو يؤدي عمله بصدق وتفان واخلاص.
لقد امضى الرجل الطيب السمح المهاب ذلك اليوم موجها ومشرفا لاعمال فتح الطريق لقريتنا بحب واخلاص وتواضع . المشهد الذي شدني كان عينة من مسيرة الرجل التي حفرت اثرا في ذاكرة الطفيلة واهلها وربطت الرجل بالناس في رباط لا اظن ان احدا من اهل المنطقة لا يعرفه ويقدره.
منذ ذلك اليوم وانا احمل في جوانحي مودة واعجاباً وتقديراً لحسن المومني الذي اصبح لاحقا وزيرا للبلديات.
في عام ٢٠٠٦ وابان عملي كوزير للتنمية السياسية زرت قرى صخرة وعبين وعبلين وتشرفت بلقاء الرجل الذي لا زالت صورته وهو يشرف على شق الطريق لقريتي. وشكرته باثر رجعي وعبرت له عن اعجابي المزمن الصامت به ونموذج عمله...
الرحمة لروحك ايها الوزير المتصرف المواطن النبيل واطبب العزاء لاسرتك ورفاقك ولنا ولنموذج العمل الذي مثلته والارث الذي تركته لعائلتك ولنا جميعا.