أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات برلمانيات جامعات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الليث بن سعد .. المجهول الأفقه من مالك

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

مدار الساعة - لكل أمة من أمم الارض علماء في شتى المجالات الدينية والدنيوية ويكونون محل تقدير واحترام تلك الأمم لدورهم في بناء مجتمعاتهم دينيا وفكريا وثقافيا، والأمة الأسلامية مثل باقي الأمم لها علماء مسلمون أرسوا دعائم العلوم الدينية والدنيوية وكانوا منارات هداية ليس للعرب والمسلمينن فقط بل للعالم أجمع.

هؤلاء العلماء ساهموا في بناء حضارة إسلامية في بغداد والقاهرة و دمشق والقيروان والأندلس وغيرها .. تلك الحضارة علمت العالم أجمع وقت أن كان ظلام الجهل يلف أوروبا في القرون الوسطى. غير أن بعض هؤلاء العلماء لم يتركوا أثرا كبيرا لعلومهم لأسباب شتى، ومن بينهم الإمام العالم الليث بن سعد، و هو أحد أشهر الفقهاء في زمانه.

لقد حق للمسلمين أن يحزنوا غير ملومين إذا ما طالعوا قول الإمام الشافعي عن الإمام الليث بن سعد، نصير الفقراء، وظهير الضعفاء، عزيز النفس، صافي الوجدان. للأسف الشديد، فإن الأمة أضاعت هذا الإمام الفقيه والمحدث الكريم، واسع العلم وشديد الهمة، سخي القلب والروح واليد، ومازلنا نضيع هذا الفقيه العالم المصلح الحالم، تاركين أثره ومدرسته الفقهية الرفيعة لتغوص فى النسيان وتذبل عبر الأزمان، فبرغم شهرة الإمام الليث بن سعد الكبيرة لكن تلامذته لم يحفظوا أثره، حتى أن الإمام الشافعي الذى حاول أن يجمع من تراثه وآثاره قدر ما يستطيع عانى كثيرا فى سبيل هذا الغرض. كما عانى أيضا الأديب الكبير عبدالرحمن الشرقاوي وهو يجمع ما ورد عنه ليضمنه فى كتابه “الأئمة التسعة” من نفس المأساة التي عانى منها الإمام الشافعي.

وفى الحقيقة، لا يعرف الواحد كيف يندثر أثر رجل كهذا كانت له من المكانة ما جعلته مقصدا للعامة والخاصة والصفوة والملوك والفقراء والمساكين، وكيف لا يحتشد تلاميذ الإمام الليث وراءه ليدونوا كل ما يكتب مثلما فعل تلامذة أبي حنيفة ومالك والشافعي، والغريب أنه ما إن تأتي سيرة هذا الرجل إلا وأحيط بهالة من تفخيم وإجلال وإعجاب.

وكان الليث – رحمه الله – فقيه مصر ، ومحدثها ، ومحتشمها ، ورئيسها ، ومن يفتخر بوجوده الإقليم ، بحيث إن متولي مصر وقاضيها وناظرها ، من تحت أوامره ، ويرجعون إلى رأيه ، ومشورته ، ولقد أراده المنصور على أن ينوب له على الإقليم ، فاستعفى من ذلك.

نشأ الليث بن سعد طالبًا للعلم، حريصًا على أن يتلقاه من الشيوخ والعلماء، فطاف البلاد كثيرًا لأجل هذا الأمر. وتلقى الليث العلم عن كبار شيوخه في مصر، مثل يزيد بن أبي حبيب وجعفر بن ربيعة وغيرهما من المصريين، ومن غير المصريين أمثال نافع المدني، وعطاء بن أبي رباح وابن شهاب الزهري وسعيد المقبري وابن أبي مليكة وأبو الزبير المكي وعقيل ويحيى بن سعيد وغيرهم.

وقال الحافظ أبو نعيم: “كان الليث فقيه مصر ومحدثها ومحتشمها ورئيسها ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث أن متولي مصر وقاضيها وناظرها من تحت أوامره ويرجعون إلي رأيه ومشورته، وقد أراده المنصور أن ينوب عنه على الإقليم فاستعفى من ذلك”. وقال ابن سعد: “كان الليث قد استقل بالفتوى في زمانه”. وقال ابن وهب: “لولا مالك والليث لضل الناس”. وقال الحافظ أبو نعيم: “حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهل، ثنا أحمد بن إسماعيل الصدفي، ثنا يحيى بن عثمان، ثنا حرملة بن يحيى، قال: سمعت الشافعي يقول: الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس”. وقال أبو داود: “حدثني محمد بن الحسين، سمعت أحمد يقول: الليث ثقة، ولكن في أخذه سهولة”. وقال سعيد الآدم: “قال العلاء بن كثير: الليث بن سعد سيدنا وإمامنا وعالمنا”.  وقال ابن تغري بردي: “كان كبير الديار المصرية ورئيسها وأمير من بها في عصره، بحيث أن القاضي والنائب من تحت أمره ومشورته”.

وإذا كان أصحابه لم يقوموا بفقهه فاندثر مذهبه، فقد قاموا بحديثه، وحدثوا عنه في الآفاق، فروايته منتشرة في كتب السنة المختلفة، وهو ثبت ثقة بإجماع أهل الحديث. وقال عبد الله بن أحمد سمعت أبي يقول أصح الناس حديثا عن سعيد المقبري الليث بن سعد يفصل ما روي عن أبي هريرة وما روي عن أبيه عن أبي هريرة هو ثبت في حديثه جدا. وروى عبد الملك بن شعيب عن أبيه قال: قيل لليث: “أمتع الله بك إنا نسمع منك الحديث ليس في كتبك”، فقال: “أو كل ما في صدري في كتبي لو كتبت ما في صدري ما وسعه هذا المركب”. 

وقال ابن بكير: كان الليث فقيه البدن عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة. ثم أضاف “لم أر مثل الليث”، وروى عبد الملك بن يحيى بن بكير عن أبيه قال “ما رأيت أحدا أكمل من الليث”.

تحصّل الليث بن سعد على قدر كبير من العلم من خلال سماعه من تابعي عصره في مصر والحجاز والعراق، حتى قال ابن حجر العسقلاني في “الرحمة الغيثية في الترجمة الليثية”: “إن علم التابعين في مصر تناهى إلى الليث بن سعد”، كما ألمّ بفقه أبي حنيفة ومالك بل وكان على اتصال بمالك من خلال المراسلات.

وكان الليث بن سعد في منهجه في الفتيا من أهل الأثر من كتاب وسُنّة وإجماع لا من أهل الرأي، وخالف الليث فقه معاصره مالك بن أنس كثيرًا خاصة فيما يتصل بآراء مالك الفقهية التي بناها على عمل أهل المدينة أحد أصول فقه مالك. وقد فضّل الليث بن سعد الاعتماد في مذهبه الفقهي على ما صحّ عنده من الأحاديث، وإجماع الصحابة.

وعلى الرغم من أن مالك بن أنس كان إمامًا لأهل الأثر، إلا أن الشافعي كان يرى بأن: “الليث بن سعد أتبع للأثر من مالك بن أنس”، وكذلك كان رأي معاصريهما من الفقهاء الذين ألمّوا بفقه مالك والليث كسعيد بن أبي أيوب الذي قال: “لو أن مالكًا والليث اجتمعا، كان مالك عند الليث أبكم، ولباع الليث مالك فيمن يزيد” في إقرار منه بأن الليث أفقههُما. وقد تعرض مذهب الليث بن سعد للزوال بعد فترة وجيزة من وفاته، وهو ما يتبين من قول الشافعي المتوفي سنة 204 هـ أي بعد نحو ثلاثين عامًا فقط من وفاة الليث،: “الليث أفقه من مالك، إلا أن أصحابه لم يقوموا به”. وأرجع المفكر المصري أحمد أمين في كتابه “ضحى الإسلام” سبب ضياع مذهب الليث إلى عدم اعتنائه بتدوين مذهبه في كتب.

المصدر : بورتريه من مصادر متعددة

مدار الساعة ـ