بقلم مهند العزة
"أخبار مزيفة، Fake News" عبارة شهيرة كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يرددها في كل مؤتمر صحفي تعبيراً عن غضبه من وسائل إعلامية ووكالات أنباء بعينها اعتادت انتقاده بشدة وحدة مثل سي ان ان و ان بي سي نيوز ورويترز، ولم يكد يخلُ إيجاز صحفي لترامب من مناوشات بينه وبين المراسلين الصحفيين، مع ذلك، لم يجرؤ الرئيس الغاضب على منع أياً من "أعدائه" من ممثلي وسائل الإعلام من دخول البيت الأبيض وحضور الإيجازات الصحفية وتوجيه الأسئلة له.
أصدرت قناة رؤيا بياناً صباح يوم الجمعة تعلن فيه عن استغرابها وأسفها لمنع كوادرها من دخول مسجد الملك الحسين بن طلال عليه رحمة الله، لنقل وقائع صلاة وخطبة الجمعة كما جرى عليه العمل منذ فترة خصوصاً في أيام الحظر الشامل.
وقالت القناة في بيانها أن الجهات المسؤولة عن المسجد والجهات المعنية الأخرى رفضت طلبها بنقل وقائع الصلاة.
لم يتطرق البيان لأسباب ملموسة إجرائية أو فنية وراء هكذا قرار، ليبقى التخمين منحصراً في موقف بعض الجهات من القناة جراء قيامها ببث تقارير وبرامج وآراء لم ترق للبعض ابتداءً بتقرير المركز الوطني للصحة النفسية مروراً بنقل معاناة وضائقة العيش التي عبر عنها بعض المواطنين أثناء فترة الحظر الشامل الطويل خلال أشهر آذار ونيسان وأيار من السنة الماضية التي تم على إثرها توقيف مدير القناة وأحد مذيعيها، انتهاءً بسلسلة اللقاءات والتقارير والبرامج التي تناولت آثار الحظر الجزئي والشامل وكارثة مستشفى السلط وغيرها من القضايا التي تؤثر على مسارات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الأردن.
في وقت سابق، تعرضت القناة ذاتها لموجة تنمر عاتية أخذت بعداً عنصرياً ذات طابع ديني بعد بثها لبرنامج رأى فيه البعض "توظيفاً لإيحاءات جنسية" جعلتهم ينعتون القناة والعاملين فيها بأوصاف عنصرية بغيضة مع توظيف واسع للتمييز الديني، ولم يفت البعض اتهامها بـ "التبشير والسعي لهدم الثوابت والعادات والتقاليد" ملمحين ومصرحين بأن "الانتماء الديني لمالك القناة وعدد من العاملين فيها هو الذي أدى إلى خروجها عن الثوابت".
ردات الفعل الديماغوجية سواءً كانت تلقائية أو موظفة من قبل تيارات معينة اتجاه كل رأي مخالف؛ يمكن فهمها في سياق الفكر المحافظ الأميل إلى التطرف الذي يسيطر على المجتمع لتجد فيه تيارات سياسية دينية وأخرى باحثة عن قاعدة شعبية للفوز بانتخابات نيابية أو محلية أو نقابية؛ فرصةً سانحةً لتحقيق مآربها الشعبوية، بل ثمة من يتخذ من هذه الأجواء الموبوءة مطيةً لتحقيق رغبة نرجسية في ركوب موجة تحصد مشاهدات وإعجاب ومشاركة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن ما يثير القلق هو استخدام جهات منوط بها تنظيم الحق في الوصول إلى المعلومات وحرية الرأي والتعبير لصلاحياتها وسلطاتها لتصفية حسابات شخصية أو مؤسسية مع جهات إعلامية قامت بانتقاد أدائها أو تسليط الضوء على أحد جوانب تقصيرها.
احتل الأردن المرتبة 130 بين دول العالم على سلم حرية الرأي والتعبير وفقاً لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2019 ثم المرتبة 128 لسنة 2020، وهذا التقدم الطفيف على المؤشر للسنة الماضية قد يكون مرجعه تردي أوضاع حرية الرأي والتعبير في دول أخرى جعلتها تحتل مرتبة متأخرة عنا وتدفع بترتيبنا إلى التقدم درجتين، المهم وبغض النظر عن هوس العديد من الأفراد والجهات بشيطنة المنظمات الأجنبية والتشكيك في كل ما يصدر عنها من تقارير وبيانات، فإن منظومة التشريعات الوطنية والممارسات العملية تعزز مناخاً جارفاً وعاصفاً بحرية الرأي والتعبير وبيئةً طاردةً لثقافة التنوع والاختلاف.
عملية الإصلاح السياسي لا تتطلب فقط مراجعة التشريعات الناظمة للانتخابات والأحزاب والتجمع والتظاهر والجمعيات والعمل النقابي واللامركزية، بل أيضاً وقبل ذلك كله؛ القوانين الناظمة للصحافة والحصول على المعلومات والإعلام وقانون الجرائم الألكترونية، هذا فضلاً عن ضرورة تعديل الممارسات المؤسسية والفردية للعاملين في الشأن العام ليكونوا أكثر مرونةً وموضوعيةً إزاء كل رأي مخالف أو نقد بناء، فلا يُعقَل أن يمنع مسؤول غاضب قناة تلفزيونية أو صحيفة من تغطية مؤتمره الصحفي أو بث وقائع فعالية لمؤسسته أو إحدى الجهات التابعة لها لأنه "حردان" بسبب كشف تلك القناة أو الصحيفة عن مشكلة أو قصور في مكان ما تحت ولايته.
قد يشوب التناول الإعلامي لبعض القضايا خلل ما مرجعه عدم تحري الدقة أو غياب معايير الجودة أو غيرها من الأسباب، إلا أن هذا يعالج ببيان الخلل والبرهنة على عدم دقة الخبر أو عدم مهنية التقرير أو التحقيق الاستقصائي، أما "الحرد" واستخدام الصلاحيات والمكنات الإجرائية لمنع وسائل الإعلام من أداء دورها فهو تجسيد لحقيقة: "كاد الحردان أن يقول خذوني".