مدار الساعة - كتب: محمد عبدالكريم الزيود
حي الشيخ جراح هو أحد أحياء مدينة القدس ، والآن أهالي هذا الحي يواجهون إعتداء من الكيان الصهيوني لترحيلهم أو هدم بيوتهم ، ويخوضون معركة قانونية وقبل ذلك معركة وجود ومصير .
ربما الكثير لا يعرف أن الجيش العربي خاض معركة كبيرة في الدفاع عن القدس ، وكانت كتيبة الحسين الثانية التي تلقب ب" أم الشهداء" هي من دافعت عن هذا الحي الذي يعد مدخلا لمدينة القدس من الشمال ، وبجانبه تلّ المدوّرة وسميّ فيما بعد بتلّ الذخيرة والذي إستبسل به الأردنيين، حتى جعل الأعداء بعد نهاية المعركة يترجلون ويؤدون التحية للشهداء الأردنيين الشجعان .
قرأت عن معارك القدس الكثير الكثير ، ومنها ما كتبه د. معن أبو نوار عن كتيبة الحسين الثانية في كتابه : في سبيل القدس، وتوثيقه لمجريات المعارك وبطولات الجنود والضباط فيها ، كذلك إستمعت وقرأت لشهادات ممن شاركوا ومنهم الدكتور غازي ربابعة الذي كان ضابطا فيها وكذلك المرحوم المقدم نبيه السحيمات الذي كان قائدا لسرية بوابة المندلبوم في الكتيبة ، كما أن عمي الشهيد علي حسين الزيود إستشهد في ذات المعركة في منطقة الشيخ جراح وروى لي والدي شهادات زملاء عمي عمّا حدث يومها .
تم تكليف كتيبة الحسين الثانية بقيادة الشهيد الرائد منصور كريشان بالدفاع عن القدس من باب العامود وحتى الشيخ جراح، حيث إستقرت سرية المشاة الثانية بقيادة البطل الرائد سليمان سالم السلايطة ليدافع عن منطقة الشيخ جراح .
إستطاعت السرية الثانية من صد جميع الهجمات التي شنها العدو مساء يوم الخامس والسادس من حزيران موقعا بالعدو خسائر جسيمة، ولم يستطع العدو الإقتراب من المواقع الدفاعية الأردنية رغم قيامه بمحاولات عديدة لإختراقها لكنه جوبه بمقاومة شرسة ، في صباح يوم الثامن من حزيران حشد العدو قوات كبيرة وإستعان بلواء جولاني من قوات النخبة وكذلك بلواء مشاة آلي ، مسندا بالطيران لقصف مواقع السرية، إضافة قيام العدو بإنزال كتيبة مظليين في ملعب الشيخ جراح وهو ملعب كرة قدم في المنطقة ، كما دفع العدو كتيبة دبابات شيرمان إلتفتّ حول منطقة الشيخ جراح ، عندها أدرك سليمان السلايطة خطورة الموقف فجمع من تبقّى من جنود على قيد الحياة، وكان معظمهم مثخنا بالجراح ، وخاطبهم وأثار حماسهم ونادى عليهم : المنيّة ولا الدنيّة.
يقسم بالله المرحوم نبيه سحيمات أنه سمع قائد السرية السلايطة ينادي على قائد الكتيبة في جهاز اللاسلكي ويقول أن العدو إقتحم خنادقنا ونحن نقاتله الآن بالسلاح الأبيض ..!!
إستشهد في تلك المعركة ١١٣ شهيدا وما زالت منطقة الشيخ جراح تلّم في ترابها رفات شهداء الجيش العربي من قاتلوا حتى آخر طلقة وبعدما كبدّوا العدو الصهيوني مئات القتلى وبإعتراف وزير الدفاع الإسرئيلي موشيه ديان فيما بعد .
ما يتم تناقله من أخبار عن تهويد هذا الحيّ ، يثير فينا الذكريات وما قدّمه الأردنيين من تضحيات في سبيل القدس ، ونستذكر دم شهدائنا الذين لم يعودوا وإمتدوا زيتونا وتينا فيها .