لا يوجد لدي اية «مرافعة» او تعليق على «الرسائل» المشحونة التي ترددت اصداؤها في فضائنا العام بتوقيع نخبة من الذين يجلسون على مقاعدهم الوفيرة، ويقذفون «نصائحهم» وارشاداتهم في وجوهنا، على اعتبار انهم «حراس الوطنية» والحريصون على حماية اسوارها، يكفي ان أقول لهم: رجاءً ..»أعيرونا» صمتكم، فنحن احوج ما نكون في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها بلدنا الى «صوت» الحكمة، لا الى خطابات «الفتنة»، والى منطق العقل لا الى «المزاودة»، وتوزيع الاتهامات و»الصكوك» الوطنية.
أعتذر سلفا عن هذه «القسوة» في التعبير، فلم يخطر في بالي ابداً ان انضم الى «المتزاحمين» في سوق «العراكات» التي يشهدها بلدنا، هذه التي تستدعي غرائز «التصنيف» على قوائم من هم داخل الملّة الوطنية ومن هم خارجها، لكن افتقادنا لصوت رجالات الدولة الحقيقيين ثم انسحاب «الفاعلين» العقلاء من مجالاتنا العامة، يفرض علينا بالضرورة ان نحذّر من هذا العبث الذي يستهدف وحدة مجتمعنا وتماسكه، كما يستهدف القيم النبيلة التي تأسست عليها الدولة الأردنية، قيم «السماحة» والعقلانية والاعتدال، وقيم «الأسرة الواحدة» التي تتوحد أمام الازمات، ويباشر الكبار فيها استيعاب الأبناء بمنطق «الأبوة» المشفوعة بالخبرة والرحمة، لا بمنطق «العصا» المحمولة على القهر والكراهية.
بلدنا – يا سادة- يتسع لنا جميعاً، يتسع لتوافقاتنا واختلافاتنا، ويتحمل عقوق بعض المتحمسين كما يتحمل «صمت» القابضين على فقرهم، المنتظرين لساعة الفرج، ليس لأحد على أحد فضل ولا يقبل منه منّة على البلد، ما دام «القاسم» هو خيمة الوطن التي يستظل تحتها الجميع، لا نريد ان «نفتح» الدفاتر القديمة، ولا أن نستقوي على بعضنا، فالذين يقذفهم البعض بحجارتهم باسم «المصلحة العامة» هم أبناء العسكر والفلاحين والمعلمين، أبناء شهداء «الكرامة» واللطرون واسوار القدس، نحن جميعاً مدينون لهم بالتحية والسلام، حتى وان اخطأ الأبناء والاحفاد، فدم الآباء والاجداد الذي سال دفاعاً عن الوطن يستحق الاحترام والاكرام.
رجاءً، أعيرونا صمتكم، فنحن نحب بلدنا دون ان ننتظر «تقسيم» الغنائم، ونحن نخشى على بلدنا من العاديات فيما يخشى عليه البعض خوفاً على المصالح والامتيازات، نريده عزيزاً كريماً لا تلوثه ايادي الفاسدين الذين نهبوا اموالنا واعمارنا، ويريده البعض -سامحهم الله- على مقاسات مواقعهم ونفوذهم واحلامهم الصغيرة.
لا وقت للتلاوم، ولا لتسجيل «الأهداف» في المباريات السياسية التي تخلو من الروح الرياضية، ومن اخلاقيات الخصومة ايضاً، لا وقت «لاستغلال» الازمات والركوب على موجة «المصلحة العامة» للعبور نحو شطآن المصالح الخاصة، الأردن أكبر من «القسمة» على اثنين أو ثلاثة، واكبر من ان يحتكره البعض بأسمائهم، واكبر من ان يدرج في «بازارات» الاستعراض والتكسب، هذا الوطن يجب ان نختلف فيه باحترام، لأننا لا يمكن ان نتخلف عليه، ويجب أن نتوافق جميعاً على حمل «حجره» الوطني لكي لا يستفرد به احد على حساب احد، ويجب ان نقول لكل من تجرأ على «المزايدة» علينا في الانتماء له ولقيادته: رجاء... أعيرونا صمتكم.
الدستور