انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مختارة مقالات مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة

الصرايرة يكتب: ما حدث للقطاع العام.. والابتعاد عن الحقيقة

مدار الساعة,مقالات,التنمية الاجتماعية
مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/18 الساعة 14:35
حجم الخط

بقلم الدكتور بشار حسين الصرايرة

لا ينكر من عاش في فترات سابقة ريادة وتميز القطاع العام في الأردن ففي نهايات القرن الماضي كان قطاعنا العام بمؤسساته وأنظمته وتشريعه مرجعا للعديد من الدول العربية، الى ان دخلنا في بداية القرن الحالي وبداية دخول النيوليبرلية الجديدة لمفاصل الدول لترجمة قرارات البنك الدولي، يمثّل البنك الدولي أحد أبرز أعداء القطاع العام.

هي سياسة متّبعة منذ إنشائه على أسس النيوليبرلية.

ففي بداية عام 2000 هجم البنك الدولي تحت مفهوم الإصلاح المالي وقدم وصفته لتكون البداية في الاجهاز على القطاع الحكومي بعد اعتبار مفهوم “ المركز المالي Financial center " احد أدوات تقييم القطاع ، بمعنى هل القطاع يربح ام يخسر ام في نقطة تعادل؟ وهنا الكارثة عندما يتحول القطاع الحكومي الى شركة وقد صرح بها أحد وزراء الحكومات الأردنية السابقة في بداية عام 2000 " يجب ان نتعامل مع القطاع الحكومي كشركة “.. وبدأت خطة الاجهاز على القطاع بطريقة ممنهجة بعد وصفة البنك الدولي بمراجعة ميزانيات القطاع الحكومي وتقليصها وبالذات الجهات الخدمية منها الكهرباء والصحة والتنمية الاجتماعية وغيرها وبالأخص المؤسسات التي لا تدر ربحاً ماليا، وبدء مسلسل التضييق المالي علية لينتهي كنتيجة ويصبح جهازاً مترهلا لا يقوى على انجاز مهامه الروتينية.

وبهذا الاتجاه وبالتنسيق مع نخبة النيوليبرلية الجدد ومن خلال منابر المنظومة النيوليبرلية بدأت بتضخيم العناوين الفرعية للقطاع الحكومي وتجييش الرأي العام حول القطاع الحكومي بعدما أرهقته الحكومات بالتشريعات " الضعيفة " والمؤسسات الرديفة وبدأت حملات نشر الوهم في ان تقليص دور الحكومة والرخاء المنشود.. وجاءت بالمحصلة عنوانين مهمة " تدمير القطاع العام كان أول خطوة لتبرير بيعه" ، مع العلم ان العدالة الاجتماعية التي كانت في نهايات القرن الماضي كانت بسبب قوة القطاع العام ودورة ومؤسسات وقادته ، و استمر مسلسل ترهل القطاع العام مع مرور الوقت ومن خلال الحكومات التي تتشكل ضمن خصوصية الأردن الغير مفهومة وبدأنا نشهد أشكالاً جديدة من الاغتيال المؤسساتي فتفككت بنى الدولة وتداخلت السلطات وضاعت حوكمة العمل الحكومي ، وهنا لا ينكر احد ان النخب المختارة بالوصفة النيوليبرلية انتهجت سلسلة تراكمية من إضعاف وتفكيك وتغييب القطاع العام عبر وسائل متعددة تزامنت مع انشاء المؤسسات البديلة والموازية ، الى سن التشريعات والأنظمة " الرخوة " بهدف تقويض صلاحيات المؤسسات الرسمية و لتضعف الكيان الرئيسي وجسم الهيكل الحكومي ، وتدمير بنية الخدمة المدنية الحكومية من خلال أنظمة الخدمة المدنية والتعديلات السنوية وصولا لتدمير مؤسسات التمكين الإداري الى ان وصلنا الى النيل من حقوق المواطنين وتكافؤ فرصهم، وتسليمهم مباشرة لرأس المال وسوق الخدمات التنافسي الخاص و تكريس مفهوم الخصخصة " الخلطة الأردنية " وانسحاب الدولة من اداء دورها الاجتماعي بكل ما ينتج عنه من تقليص صرفها على الصحة والتعليم والبنية التحتية.

والاجدر ان نعترف أيضا ان منظومة التعليم واكبت الانهيار الممنهج للقطاع وصولا للثانوية العامة والمعدلات الضخمة للطلبة والغير واقعية (الا من رحم ربي) ودخول الطلبة المتخرجين من " خطط التطوير التربوي المضروبة أصلا لأحكام البنك الدولي" الى الجامعات إضافة الى دخول رأس المال للتعليم الجامعي دون اية رقابة وتخريج الالاف من غير مؤهلين لا أكاديميا ولا أخلاقيا ولا يعير لمفهوم اخلاق الوظيفة العامة احتراما (الا من رحم ربي ولا اعمم)، وتوازاها ضرب في المنظومة الأخلاقية.. وتزامن مع ترهل القطاع تشريعيا وعملياتياً دخول هذه المخرجات الى الجهاز الحكومي بمفهوم " التنافسية وحصص المحافظات وفق نظام خدمة مدنية مائع " وتدرجوا بالوظيفة العامة ومنهم اليوم الوزير والأمين العام والمدير العام وغيرهم " لا اعمم عن المخرجات الا انها اجمالية “.

لم يتبقى من القادة الإداريين والخبراء والموظف العام المؤسس على ثقافة عمل متميزة الا القليل وهم الخبرة والالتزام المؤسسي احد ابرز مقوماتهم ، لابد الإشارة الى مجزرة الاحالات الى التقاعد الأخيرة بحجة توفير الميزانيات وهذا تأكيد على دور البنك الدولي في بدايات القرن.

لدينا ازمة إدارية عميقة وكانت صرخة جلالة الملك واضحة بالرغم من ادراج توجيهاته لكل الحكومات المتعاقبة، أتوقع ان حلها بتقوية القطاع الحكومي بالتشريع الحصيف والأنظمة الشفافة و الغاء الرديف المعطل، و إعادة النظر بمفهوم الوظيفة العامة تدعمها موازنات حقيقية وترسيخ مفهوم المسائلة ومراقبة الأداء واستراتيجية وطنية اردنية يشرف عليها اعلى الهرم في الدولة وتكون عابرة للحكومات ... " يا الله إنك تكفينا شر اللايذات... " .

مدار الساعة ـ نشر في 2021/03/18 الساعة 14:35