أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

أمثال نبوية.. مثل النذير العريان

مدار الساعة,شؤون دينية
مدار الساعة ـ
حجم الخط

قوله: (النذير العريان): مثلٌ سائرٌ يُضرب لشدة الأمر ودنو المحذور، وبراءة المحذِّر عن التهمة، وأصله: أن الرجل إذا رأى العدو وقد هجمت على قومه، وأرادت أن تفاجئهم، وكان يخشى لحوقهم عند لحوقه تجرد عن ثوبه، وجعله على سائر خشبة وصاح؛ ليأخذوا حذرهم ويستعدوا قبل لحوقهم. أ.هـ من تحفة الأحوذي.

قوله: (فالنجاء) بالنصب مفعول مطلق فيه إغراء أي: اطلبوا النجاء بأن تسرعوا الهرب لأنكم لا تطيقون مقاومة ذلك الجيش، (والنجاء) الثاني تأكيد وكلاهما ممدودان.

قوله: (فأدْلجوا فانطلقوا على مُهلتهم) : أما أدلجوا فبإسكان الدال ومعناه: ساروا من أول الليل يقال أدلجت بإسكان الدال إدلاجا كأكرمت إكراما والاسم الدَّلْجة بفتح الدال، فإن خرجت من آخر الليل قلت: ادَّلَجت بتشديد الدال أدلج ادلاجا بالتشديد أيضا والاسم الدُّلجة بضم الدال، وأما (فادَّلجوا) بتشديد الدال فلا يستقيم هنا كما رجحه الخطابي : لأن الادِّلاج بالتشديد هو السير آخر الليل فلا يناسب هذا المقام، والصواب الرواية بإسكان الدال.

قال النووي : أصله أن الرجل إذا أراد إنذار قومه وإعلامهم بما يوجب المخافة نزع ثوبه وأشار به إليهم اذا كان بعيدا منهم؛ ليخبرهم بما دهمهم، وأكثر ما يفعل هذا (ربيئة القوم) وهو طليعتهم ورقيبهم، قالوا: وإنما يفعل ذلك لأنه أبين للناظر، وأغرب وأشنع منظرا، فهو أبلغ في استحثاثهم في التأهب للعدو، وقيل معناه أنا النذير الذي أدركني جيش العدو فأخذ ثيابي فأنا أنذركم عريانا قوله (فالنجاء) ممدود أي: انجوا النجاء أو اطلبوا النجاء. أ.هـ

وشراح الحديث يذكرون قصة تناسب معنى الحديث: أن رجلا من خثعم كان متزوجاً في بني زبيد، فأراد بنو زبيد أن يغيروا على قبيلته، فخافوا أن ينذر قومه، فجعلوا عليه حراسا بعد أن خلعوا ثيابه، فصادف منهم غِرَّة وفرّ إلى أهله فأنذرهم، وكان مما قاله لهم:

أنا المنذر العريان ينبذ ثوبَه ... إذا الصدقُ لا ينبِذ لك الثوبَ كاذبُ

فكان مثلا لكل أمر تخاف مفاجأته؛ ولكل رجل لا ريب في كلامه.

ومنها: أن النذير العريان قد قام فيه من القرائن والأحوال ما يدعو إلى تصديقه، كونه قد نزع ثيابه من شدة هول ما رأى، وكونه يخبر عما رأى وشاهد بعينيه، وكونه رجلا من قومه له مالهم وعليه ما عليهم، ويقول لهم (النجاء النجاء)، وكانوا يعرفونه ولا يتهمونه في صدق حديثه، ولا جرت عادته بالتعري، فهو منذر لهم بقوله وفعله وحاله، فقطعوا بصدقه، وأيقنوا بخبره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فوق ذلك من بلاغة القول، وإيصال البلاغ، وبلوغ الكعب في صدق الحديث وبذل النصيحة، وأي أحد أنصح وأصدق ممن عاش لهذا البلاغ، وبذل لأجل ذلك نفسه وماله وحياته، وهو مع ذلك مؤيد بالدلائل والحجج الظاهرة، والآيات الباهرة، ما يدعو إلى تصديقه واليقين بما ينذر به.

ومن خلال هذا المثل النبوي الكريم الذي يلقي بظلاله على واقع الأمة الإسلامية اليوم وهي في أحوج ما تكون إلى (النذير العريان)، فإن أقوم من يقوم بهذه المهمة الخطيرة هم العلماء والدعاة والمصلحون، ولذلك يسعى المفسدون إلى إسكاتهم وتكميم أفواههم الناطقة بالحقيقة، فهم يعلمون أن في بقائهم عافية وقوة لجسد الأمة، فمثل هؤلاء العلماء كمثل (كريات الدم البيضاء) التي تصد الغزاة (الجراثيم)، وتعطل تقدمهم وتكاثرهم، فإذا دخلوا الجسد قاومتهم بشدة واستماتة، حتى الاستشهاد إذا وجب الأمر، ولا مناص إلا أن يرشح الدعاة أنفسهم ومعهم كل عامل للإسلام لهذا المنصب الخطير، منصب (النذير العريان) ؛ فقدوتهم في تلك المهمة هو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعلى قدر ضمور هذا الدور يستفحل الداء، ويتسلط الأعداء، ويتسع الخرق على الراقع، وبالمقابل فإن قيامهم بمهمة الإنذار ومخاطبة الأمة بمحكمات الدين وتقويم المسار فيه تنبيه للغافلين، وإيقاظ للسادرين في الغي ليلحقوا بركب النجاة، والخلاص بأنفسهم من مباغتة العذاب، وحلول النقمة.

مدار الساعة ـ