مدار الساعة - إخلاص القاضي- تعمد الأربعينية ندى إلى ارتداء كمامتين فوق بعضهما بعضا، وفق قناعتها أن ذلك يوفر لها المزيد من الحماية من التقاط عدوى فيروس كورونا المستجد، وكذلك يفعل آخرون وفقا للقناعة ذاتها.
فيما يصف أطباء ومتخصصون هذا السلوك بـ "المبالغ به"، ذلك أن الالتزام الفعلي بكمامة طبية واحدة يفي بغرض الوقاية، وفقا لشروط نظافة وتعقيم، باتت معروفة للجميع، بيد أن آخرين ينفون صفة المبالغة عنه، باعتبار أن ذلك حرية شخصية تشعر أصحابها بمزيد من الأمان الصحي.
وقد راجت "موضة الكمامتين" بين المشاهير وغيرهم من مؤثري "مواقع التواصل الاجتماعي "، وسط استغراب المعنيين من سلوك كهذا، فيما يؤكد الخبراء لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن من أهم شروط الوقاية من انتقال عدوى الفيروس هو عدم نزع الكمامة، وعدم المخالطة، والابتعاد عن التجمعات، وعدم التراخي بأهمية الاستمرار بارتداء الكمامة، حتى لو أراد المرء الشراء من "دكان" لصيق بمنزله، أو التحدث و"لو لبرهة" مع جاره، مشيرين إلى أن بعضهم يظن أن قرب المسافة والحديث مع الجار أو استقبال أحد الأقرباء بالمنزل،"ولو لدقائق"، لا يستدعي ارتداء الكمامة، الأمر الذي يخالف أبسط قواعد السلامة الصحية والأمن المجتمعي الصحي.
وفي السياق، يدعو الموقع الإلكتروني لمنظمة الصحة العالمية إلى تجنب ما يطلق عليها "الميمات الثلاثة"، وهي: الأماكن المغلقة أو المكتظة أو التي تنطوي على مخالطة لصيقة، وإلى جعل "لبس الكمامة جزءاً طبيعياً من وجودك مع الآخرين"، الأمر الذي يتقاطع حكما مع دعوات كل المعنيين في ملف كورونا.
يقول العشريني إيهاب، وهو طالب جامعي، إنه ملتزم بارتداء كمامة واحدة، ولكن لا مانع لديه من ارتداء كمامتين في آن معا، مفسرا ذلك بـ "راحة نفسية قد تشعر صاحبها بأنه محمي كما يجب".
بيد أن الخمسينية وفاء ترفض فكرة الكمامتين رفضا قاطعا، مبينة أنها "تختنق" من كمامة واحدة، رغم التزامها الدائم بها، متساءلة: "فما بالكم بارتداء كمامتين"، لاسيما وأنها تعاني من أمراض تنفسية وصدرية، معلقة" يلتزم الناس بكمامة ويكثر خيرهم".
ويتمنى الأربعيني عدنان، الموظف في إحدى الشركات الخاصة، أن يلتزم كل الناس بارتداء الكمامة، سواء كانت واحدة أو اثنتين، "فالمهم الوقاية، ثم الوقاية"، على حد تعبيره.
رئيس المركز الوطني لمكافحة الأوبئة والأمراض السارية، الدكتور فراس الهواري، يرى أن ارتداء كمامتين فوق بعضهما بعضا، قد يعني للبعض المزيد من الحرص والوقاية، لا سيما أن هنالك أنواعا من الكمامات صممت وكأنها مكونة من أكثر من طبقة، معتقدا أن ذلك الأمر ليس مبالغا به، كسلوك قد يشعر صاحبه بالأمان أكثر فأكثر.
ويشير إلى أن ذلك يعود لحرية كل شخص، وهذا لا يتنافى مع الطرق الصحيحة بالوقاية، فارتداء الكمامتين، كما يوضح، أفضل ممن لا يرتديها على الإطلاق، مشددا على أن الالتزام بالكمامة لوحده لا يكفي بل "علينا الاستمرار بالابتعاد عن التجمعات الخارجية وحتى داخل المنازل، والمحافظة على التباعد الاجتماعي، ومسافات الأمان والتعقيم والنظافة".
ويشدد في هذا السياق على نوعية الكمامة وكفاءتها ومدة استخدامها، متقاطعا في ذلك مع دعوة النائب السابق الدكتور طارق خوري عبر "مواقع التواصل الاجتماعي " يقول من خلالها:" استخدام الكمامة مهم جدا وأساسي في الوقاية من فيروس كورونا، لكن من المهم أيضا التوعية الطبية بأنواع الكمامات ومدة استخدامها".
ويضيف خوري :" نحن بحاجة إلى إطلاق حملة توعية للتمييز بين أنواع الكمامات الطبية وغير الطبية، وصلاحية كل منها"، منوها إلى أن ارتداءها من قبل البعض، هو من منطلق الخجل والخوف من تحرير المخالفة ليس إلا، بقطع النظر عن نظافتها أو تعقيمها أو نوعيتها.
حيث يرتدي أحدهم الكمامة ذات الاستخدام لمرة واحدة، منذ أكثر من 3 شهور دون أن يغيرها، ولدى سؤاله لماذا لا تقوم بتغييرها، أجاب" ارتديها فقط خوفا من ردة فعل الناس وليس اقتناعا بها"، على حد قول خوري.
إلى ذلك، يعتبر اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية وخبير الفيروسات التنفسية الدكتور محمد حسن الطراونة أن ارتداء الكمامتين أمر مبالغ به، ولا داعي له، مؤكدا أن ارتداء الكمامة بالشكل الموصى به علميا، وهو أن تغطي الفم والأنف بإحكام، وأن تكون صالحة للاستخدام ومعقمة ونظيفة، يعد صمام الأمان الأبرز في الحماية من العدوى.
ويشدد هنا على ضرورة عدم ارتداء الكمامات ذات الاستخدام المؤقت، لأكثر من 6 ساعات، وهي بالمناسبة كما يشير، ليست معدة لأن تعقم بـ" الكحول، السبيرتو"، كما يفعل البعض، ويعيد استخدامها لأيام عدة، ذلك أن مساماتها تتوسع جراء المادة الرطبة الموجودة بالكحول، ما يجعلها بعد ذلك غير صالحة للاستهلاك مطلقا، لأنها تحتوي على منافذ كبيرة لتسرب الرذاذ وانتقال عدوى الفيروس.
ويوضح أن الأطباء وكجزء من بروتوكول وسائل الحماية الشخصية للكوادر الطبية يرتدون الكمامتين داخل أقسام العزل وفي أقسام العناية الحثيثة عند التماس المباشر مع مصابي كورونا، وهذا الأمر مبرر طبيا وصحيا، أما بقية الأشخاص، كما يتابع، فلا داعي لارتداهم كمامتين، ويكفي أن تكون كماماتهم معقمة وصالحة للاستخدام، وغير ملوثة، وغير "مستعارة" من أحدهم، في ظل الالتزام التام بطبيعة الحال ببقية الإجراءات الكفيلة بمنع انتشار العدوى.
ويعزو الدكتور الطراونة ما يسميه بـ " التقليد الأعمى" لسلوك المشاهير، الذين يرتدون كمامتين، لضعف التثقيف الصحي لدى البعض، مشددا على أهمية استقاء المعلومة الطبية من مصادرها العلمية الموثوقة والمعتمدة، واستعمال الكمامات الطبية المعقمة لمرة واحدة فقط.
ويذهب استشاري الطب النفسي، الدكتور زهير الدباغ، إلى أن سلوك البعض بارتداء كمامتين قد يعزز الشعور بالأمان الصحي، في ظل معاودة ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، ويعود كذلك لحرية الفرد الشخصية بتحصين نفسه بمزيد من سبل الحماية، مشددا على أن الأهم هو نوعية الكمامة الصحية بموازاة النظافة والتعقيم وغسل الأيدي والتباعد ومسافة الأمان.
ويلفت إلى ضرورة الابتعاد عن الكمامات التي تباع بوصفها مكملة للأناقة فحسب وتعج بالإكسسوارات والخرز، على حساب نوعية القماش غير الطبي، حيث أن انتشار هذا النوع من الكمامات مخالف لكفاءة الطبية منها، والتي تمنع بدورها دخول الرذاذ، وهو شكل من أشكال التجارة الرائجة و"التريند" الذي يخالف قواعد الوقاية كما يجب.
وينوه الدكتور الدباغ إلى أنه ومن منطلق الحرية الشخصية، فإنه بالإمكان ارتداء الكمامة الطبية التي تستخدم في العمليات الجراجية، وفوقها الكمامة التي يراها الشخص مناسبة من النوع الرائج الذي قد يكمل الأناقة للبعض، وهنا تكتمل معادلة الحماية والكفاءة والمنظر في آن معا، مؤكدا أن الهدف الأساس هو منع انتشار عدوى الفيروس بكل السبل الوقائية اللازمة، وليس البحث عن المظهر على حساب جوهر الامن الصحي.
يشار إلى أن الحكومة كانت أصدرت الشهر الماضي أمر الدفاع رقم 26 بخصوص التأكيد على إجراءات الوقاية والتباعد وارتداء الكمامات وتغليظ العقوبات على المخالفين، حيث يعاقب كل من لا يلتزم بوضع الكمامة بغرامة لا تقل عن 60 ديناراً ولا تزيد على 100 دينار. بترا