لمعالي الأستاذ عدنان أبو عودة مكانة خاصة في العقل والوجدان, فهو من الأصدقاء المقربين لوالدي رحمه الله, منذ أن كانا على مقاعد الدرس, وهي علاقة وثقتها طبيعة المهنة التي جمعتهما لعقود طويلة, أعني بها الإعلام, يوم كان في الأردن وزارة إعلام ذات «شنة ورنة», وكان لدينا أجهزة إعلام موثوقة, وكان لدينا إعلاميون رساليون يؤمنون بالأردن دوراً ورسالة, يشكلون كتيبة دفاع عن الأردن تارة, ومبلغين رسالته تارة أخرى, وحراساً دائمين للرأي العام الأردني من محاولات اختطافه وتضليله وتوظيفه ضد وطنه ودولته, وهي كتيبة قادها لفترات ال?ستاذ عدنان أبو عوده, بصفته وزيراً للإعلام يلتقي على طاولته قادة الإعلام خاصة صباح كل ثلاثاء للتشاور والتحاور,احتراماً للمؤسسية في العمل وللمشاركة بين القطاعين.
في تلك الفترة كنت فتى طري العود, أتلمس طريقي في عوالم الإعلام, فكان لي من توجيه معاليه الشيء الكثير, بصفتي ابن صديقه الذي شاركه فرحته يوم مولدي, فكان معاليه يوجهني لقراءة بعض الكتب, وبعض المجلات, وبعض التقارير, فهو قارىء نهم كان ومازال, مثلما كان يأتمنني على نشر بعض المقالات على صفحات «اللواء» دون أن يضع عليها اسمه, وكانت مقالات غنية بالفكر وبالتحليلات السياسية, وفي إطار توجيهي وإرشادي شارك والدي لإقناعي بالعمل الإخباري في التلفزيون الأردني لإثراء خبراتي, ثم عملت بتوجيه منه في دائرة التدريب والإعلام التنمو? أيام عزها, فقد كان يؤمن بتدريب وتأهيل الإعلاميين, مثلما كان يؤمن بأن للإعلام دوراً تنموياً لبناء قيم الإنتاج والتنمية, وإبراز المنجز الذي يعزز الانتماء الوطني, لذلك كانت دائرة التدريب والإعلام التنموي تزدهر عندما يكون عدنان أبو عوده وزيراً للإعلام, وتتراجع عندما يبتعد عن الوزارة, حتى تلاشت نهائياً, كما تلاشت الكثير من القيم التي كان يقوم عليها الإعلام الأردني, وتراجعت الكثير من أدواره.
مناسبة هذا الحديث عن «عمي عدنان», أنني استمعت إليه قبل أيام يحاور مجموعة من الشباب عبر نظام «زووم», حول مئوية الدولة, فتطرق إلى قضيتين طالما شغلتا بالي, أولاهما هذا الكم الكبير من المتعلمين في بلدي, في نفس الوقت الذي تكاد تكون فيه معدومة نسبة المثقفين الحقيقيين لذلك صرنا نفتقر إلى قامات ثقافية حقيقية ممن قام على أكتافهم الخطاب الإعلامي والثقافي للدولة الأردنية, وهو الخطاب الذي نفتقر إليه وهذه مسأله خطيرة لابد من معالجتها.
اما القضية الثانية فهي قضية شكوى الأردنيين من البطالة, خاصة بين المتعلمين, وهي شكوى تتزامن مع وجود عمالة وافدة تعمل في السوق الأردني, يفوق عددها عدد العاطلين عن العمل من الأردنيين بكثير, مما يعني أن جزءا من المشكلة يكمن في سلوكنا وقيمنا ومفاهيمنا نحو العمل, أكثر من عدم توفر فرص عمل, التي تركنا الكثير منها للوافدين, وهذه قضية في غاية الخطورة أيضاً, لابد من معالجتها, وهو علاج يحتاج إلى وجود رجال دولة من طراز عدنان أبو عودة, لديهم رؤية مدعومة بعزم, وقدرة على المواجهة.
Bilal.tall@yahoo.com
الرأي