تقوم العلاقة الدستورية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الأردن على أسس من التكاملية والرقابة المتبادلة، ضمن إطار الفصل المرن بين السلطات. فعلى الرغم من قيام الدستور الأردني بإنشاء السلطة التنفيذية في المادة (26) بشخوصها الملك ورئيس الوزراء والوزراء، والسلطة التشريعية في المادة (25) التي تتألف من مجلس الأمة والملك، إلا أن المشرع الدستوري قد حرص على إبقاء الأبواب مفتوحة بين هاتين السلطتين، فأعطى السلطة التنفيذية الحق في حل مجلس النواب واقتراح مشاريع القوانين، ودعوة مجلس الأمة إلى الاجتماع في دورات برلمانية وتأجيلها وإرجائها. في المقابل، فقد كرس الدستور الأردني الحق للسلطة التشريعية في الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وذلك من خلال توجيه الأسئلة والاستجوابات وطرح الثقة بالوزراء أمام مجلس النواب.
ورغم النص على هذه الأسس الدستورية منذ صدور الدستور الحالي في عام 1952، إلا أننا لم نشهد بعد حالات حقيقية من الرقابة البرلمانية الفعلية التي مارستها المجالس المنتخبة على الحكومات في الأردن. فإذا كانت لهذه الرقابة أهمية قصوى في الأحوال الاعتيادية، فإن الحاجة إليها تتعاظم في الظروف الاستثنائية، والتي يكون معها مبدأ سيادة القانون ومشروعية القرار الحكومية على المحك.
فمنذ تفعيل العمل بقانون الدفاع في العام الماضي، غابت الرقابة السياسية البرلمانية عن الصلاحيات الاستثنائية التي قررها هذا القانون لرئيس الوزراء في إصدار أوامر دفاع وبلاغات خطية يُلزم الوزراء بتنفيذها وفق أحكام القانون. فمجلس النواب الثامن عشر قد أغلق بابه على نفسه، وامتنع عن عقد أي جلسة رقابية رغم معقولية الوضع الوبائي في تلك الفترة. وها هو مجلس النواب التاسع عشر يصر على البقاء في مشهد المتابع والمراقب عن بُعد لأحوال السلطة التنفيذية، التي شهدت أخيراً استقالات وزراء فيها بحجة مخالفة أوامر الدفاع، والتي استغلها رئيس الوزراء الحالي لإجراء تعديل أكبر على أعضاء حكومته. وفي هذا الأمر دلالة قاطعة على عدم الانسجام والتناغم بين الفريق الوزاري، وإلا لما يضطر رئيس الوزراء إلى أن يسحب من رصيد حكومته الملكي والسياسي بإجراء تعديل مبكر عليها.
إن الأدوار الخاصة بتطبيق قانون الدفاع قد حددها المجلس العالي لتفسير الدستور في قراره التفسيري رقم (2) لسنة 1991، الذي رسم الأدوار المنوطة بكل من السلطة التنفيذية ومجلس النواب فيما يخص تفعيل قانون الدفاع. فأشار القرار إلى الصلاحية المطلقة للسلطة التنفيذية ممثلة بجلالة الملك ومجلس الوزراء في إعلان نفاذ قانون الدفاع وبدء سريانه، على أن يثبت في مقابل ذلك للسلطة التشريعية الحق الدستوري في تفعيل رقابتها على السلطة التنفيذية في مجال تنفيذ قانون الدفاع، والتي يصل مداها إلى التلويح بطرح الثقة.
لقد جاء إصرار الدولة الأردنية على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري رغم الظروف الاستثنائية السائدة بهدف عدم تغييب الأسس الدستورية التي يقوم عليها نظام الحكم النيابي في الأردن، والقائم على أساس مسؤولية الوزراء أمام مجلس النواب. إلا أننا ما نشهده اليوم من واقع عملي يؤكد انحصار المسؤولية السياسية للوزراء أمام جلالة الملك ورئيس الوزراء نفسه، وذلك عملا بأحكام المادة (35) من الدستور. فالسلطة التنفيذية تراقب نفسها بنفسها في غياب كامل لمجلس النواب، صاحب الولاية الدستورية في الرقابة السياسية على أعمال كل من مجلس الوزراء والوزراء في الأردن.
laith@lawyer.com
الرأي