مدار الساعة - كتب: الدكتور رجائي حرب
إخوتي وأخواتي
إن المتابع لحركة إدارة المجتمع في الوقت الحاضر ليجد الكثير من الخلل والضعف في تعامل الحكومات مع واقع الأمر، فقد تفشى الفقر في كل المحافظات والمناطق، وعم البؤس والحرمان، وتنظر في وجوه الناس فتراها مُكْفَرةً وباهتةً وليس فيها أي بصيص أملٍ أو مسحةِ تفاؤل، ولا تسأل أي إنسانٍ عن حاله إلا ويتذمر ويندب حظه ويتفوه بما يعبر عن استيائه وامتعاضه من الواقع الذي يعيش. وتجد البعض قد بدأ يتنازل عن كمالياته لتوفير القليل من الضروريات وسط صدمة الجميع ودهشتهم وخوفهم من القادم
وحال الجميع يقول بأننا لسنا بخير اذا استمر الوضع على هذا الحال، وأن الحكومات والمسؤولين هم أبعد ما يكون عن الناس وعن هموم المجتمع وعن المباديء الأخلاقية التي تجعل الإنسانٍ مميزاً في أدائه، فقد باع أكثرهم رشده وأخلاقه في سبيل منصبٍ زائل أو مكسبٍ آنيٍ لا يُسمن ولا يغني من جوع
وعند مراجعة العديد من البرامج الحكومية تجد وكأن هذه الحكومات تبيع الوهم للناس؛ فلا البرامج برامج، ولا الموازنة موازنة، ولا الخطط المستقبلية خطط. وكما يقولون في المثل الشعبي ( طاسة وضايعة )، وهذا كله بسبب عدم وجود برنامجٍ أخلاقيٍ يكون أساس كل شيء في المجتمع، سواءاً للحكومة أو لنهج الدولة أو منطلق التعامل مع كل القضايا. برنامجٍ هو الأساس والمعيار الذي يجب أن توضع عليه كل المدخلات لتوزينها والخروج من كل أزماتنا والتي أكبرها استرداد سيادتنا الوطنية ولغاية ترتيب بيوتنا من الداخل وإخراجها من ضنك العيش والفاقة التي بدأت تنخر أركانها
إن الأخلاق هي القاعدة الأساسية في بناء المجتمعات، وفي بناء المسؤولين الحقيقيين الذين يحملون هموم الناس؛ فيجبرون كسورهم، ويمسحون عرق جبينهم، ويكفكفون دموعهم، ويمنعون عنهم قساوة العيش وضنك الحياة؛ لا أن يتخلوا عن الناس ويجلسون في قصورهم ومكاتبهم ولا يكترثون لجراحات الناس النازفة بسبب اهمالهم وتجاهلهم لمعاناتهم
وهنا نتساءل ... أين الأخلاق وأين البرامج الأخلاقية التي تُبنى عليها جميع القوانين والأحكام، والتي يقوم عليها الدين، والتي هي أساس صلاح المجتمع، والدرع الواقي المانع لانهياره وتحويله لمجتمع تحكمه الشهوات والغرائز ؟
أين الأخلاق في برامج حكوماتنا التي تمنع المتغولين من الوصول بنا لسيادة قانون الغاب. والتي تمنعنا من أن نأكل بعضنا بعضاً ؟
أين الأخلاق التي هي العنصر الأساسي في إنشاء أفرادٍ مثاليين، وأُسرٍ سليمةٍ، ودولٍ متقدّمة ؟
أين برامج الأخلاق الذي وضعتها الحكومات لتعزيز منهجية الأخلاق وتقويتها في النفوس وتعزيز مباديء الحياء، والصبر، والعفة، والكرم، والتسامح، واحترام الآخر وحفظ اللسان وغيرها، كي يصل الجميع أو جُلَّ الناس إلى حالة النضوج العاطفي والفكري، ونقلهم من طور الانضباط بسبب قوة القانون إلى طور الانضباط بواسطة النفس المبنية على الأخلاق الشخصية، وبما يدفع للمحافظة على القانون، واحترامه، وحماية قيم المجتمع بدل التطاول عليه ؟
أين برامج الأخلاق التي تسعى لتوفير طرق اشباع الغرائز عند المواطنين بطريقةٍ نظامية، وتهيئة المجال للشباب للزواج بدل البحث عن الرذائل، وتوفير فرص عمل صحيحة ومقنعة للعاطلين عن العمل، ورفع دخل الموظفين لتتناسب مع التضخم الحاصل، وإغلاق باب إشباع الغرائز بطريقةٍ فوضوية، وإغلاق النوادي والملاهي الليلة، وغيرها من المفاسد التي تهدم الأخلاق. أين هي برامج بث الثقافة الأخلاقية، وتدريسها للأفراد بطريقةٍ سلسة، ومن قبل متخصصين أكفاء ؟
أين هي البرامج الأخلاقية في إعلامنا الوطني والقنوات الفضائية البعيدة كل البعد عن الأخلاق والتي هدمت الأسرة وشوهت المجتمع وهشمت الرأي العام، وساهمت في نشر المفاهيم الركيكة والسطحية وتبنت ما يسيء لإسلامنا وعروبتنا من خلال ما تبثه من برامج ليست من طينتنا.
أين الجهات الرسمية الرقابية التي تمنع التطاول على القانون، وتحافظ على ديمومة النهج الأخلاقي واحترامه، وتمنع الفساد وتحاربه من خلال ردع المعتدي والضرب على يده من حديد
أين هي الأخلاق في الدعوة المستمرة لإطلاق إصلاحٍ سياسيٍ وبطون الأكثرية خاوية وجائعة؛ والبيوت ليس فيها خبز ولا حب ولا أخلاق؛ والنفوس مهترئة، والولاء والانتماء متآكل وقد قارب على أن يسقط مغشياً عليه من الإرهاق والتعب وقلة الحيلة: ولم يبق إلا أن تأكل الناس بعضها
ونهاية القول هي أننا إذا أردنا النهوض فلا بد من اعتماد منظومة أخلاق تصنع السياسي الذي يستطيع أن يقرأ الواقع فيختار لوطنه من القوانين ما يميزها، ومن الرجال من يستطيع أن يحمل هم الوطن بعيداً عن الشللية والمحسوبية، وهي التي تصنع الاقتصادي المميز الذي يضع البرامج التي تصحح معيشة الناس، فتقف على أوجاعهم، وتحل مشاكلهم، وتملأ بطونهم، لا أن يستسهل مد يده إلى جيوبهم لسرقتهم بحجة حل مشاكلهم، وهي التي تصنع المسؤول الناجح الذي يخاف الله، فيمنع التبذير ويمنع التصيد بالماء العكر لاغتيال الشخصيات الوطنية التي تدق ناقوس الخطر في اللحظات الحرجة من عمر الدولة لينتبه الناس
هذه هي الأخلاق .... فأين نجدها في وطننا المأزوم والذي ما زال له في نفوسنا كل الحب والاحترام؟