أي متابع للشأن السياسي وخصوصاً المتعلق بالقضية الفلسطينية يعرف أن إسرائيل أولوية لا تدانيها أولوية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، ويعرف أن ما تحققه إسرائيل من مكاسب من الإدارات الأميركية السابقة لا يمكن العودة عنه من الادارات اللاحقة، لذلك فإن إدارة بايدن لن تعيد سفارة أميركا إلى تل أبيب ولن تلغي قرار الاعتراف بشرعية المستوطنات، ولا حتى ضم الجولان وربما تجمد فقط ضم الأغوار الفلسطينية وهو الجزء الذي لم ينفذ بعد من صفقة قرن ترمب المشؤوم.
العالم كله، وليس العرب فقط، ابدى ارتياحه لرحيل ترمب، فقد كان أذاه عاما طاما يفوق اذى الكورونا فكلاهما عدو للبشرية لكن ربما تكون فرحة العرب بانتهاء حكم الرجل الشرير اكثر من غيرهم، وهم محقون في ذلك لا لأنهم يعتقدون ان بايدن سيحرر لهم فلسطينهم او يفتح لهم خزائن المال ليأخذوا منها ما يشاؤون، ولكن لانهم ربما ادمنوا عادة التفاؤل بعد أن ابتلوا بالتضاؤل في قواهم.
أسوق هذه المقدمة للتعليق على محاور محاضرة الدكتور مروان المعشر السياسي الأردني المحترم والخبير في الشأن الأميركي، تلك المحاضرة التي ألقاها في اليوم الاخير من كانون الثاني الماضي واختار لها عنواناً «الأردن في عهد الرئيس بايدن.. اسئلة المستقبل»، الواقع ان ما طرحه د. المعشر لم يكن اسئلة بالمعنى الحرفي، بل تحريض للنخب لاجراء حوار منتج لمواقف واقعية بعد التغيير الذي حدث نتيجة رحيل ترمب وقدوم بايدن، حتى لا يهيمن على عقولهم خدر خادع نتيجة استغراقهم بالنوم ليلا ونهارا كي تطول بهم الاحلام الوردية.
البداية التي استهل بها المعشر محاضرته لا تحتاج الى خبير فالعلاقات الأردنية الأميركية بالتأكيد ستكون افضل في عهد بايدن، وستشهد دفئاً بعد الصقيع الذي لفها خلال ولاية ترمب، كما ان معلومة العلاقات الاقتصادية بين أميركا والأردن العابرة للحدود وهذه وصفة ليست جديدة، يعرفها بائع اسطوانات الغاز وتوقعه بان لا يزيد حجم المساعدات السنوية للاردن عما هو عليه الآن وهو 5ر1 مليار دولار توقع قريب من الصحة لكنه غفل عن مسألة يعرفها بالتأكيد ان الرئيس الأميركي لديه من الصلاحيات ما يمكنه من تقديم مساعدات عينية كالقمح والمواد الطبية والعلاجية.
وحتى بعض التمويلات الخاصة بمشاريع تتعلق بالبيئة وحماية الطفولة والمرأة وغيرها دون الرجوع إلى الكونغرس.
لكن ليس هذا هو الجانب المهم، حيث اسهب د. المعشر في عرض توقعاته لتوجهات إدارة الرئيس بايدن بناء على خبرته ومعرفته لبعض لأشخاص الذين عينهم بايدن في دائرة صنع القرار المختلفين كلياً عمن كانوا حول الرئيس السابق ترمب.
أخطر ما جاء في محاضرة د. مروان المعشر من وجهة نظري دعوته «لإعادة تأطير الصراع العربي الاسرائيلي باتجاه حل مبني على الحقوق وليس على شكل الدولة»، معتمداً على عدد الفلسطينيين في الضفة وغزة والبالغ 4ر7 مليون نسمة مقابل 8ر6 مليون من الاسرائيليين، واتبع هذا الطرح بالتأكيد على تزايد الجناح المؤيد لحقوق الفلسطينيين في الإدارة الأميركية في ظل وجود ما لا يقل عن 10 أشخاص مسلمين وعرب في إدارة بايدن وكأنه هنا يرجح إمكانية نجاح فكرة المطالبة بالحقوق بعد ان مات حل الدولتين ودفن وهو الحل الذي تؤيده الدول لفظياً فقط.
وسواء كانت فكرة التركيز على الحقوق وليس على شكل الدولة من رأس الدكتور المعشر اي اجتهاد شخصي، ام انه سمع وشوشة من هذه الجهة أو تلك أو شم رائحة طهي في احد مطابخ القرار النافذة فإنه مطالب بالتوضيح اكثر حول الآلية التي يعتقد انها تضع هذا الطرح على سكة الوصول إلى الهدف.
من هذه الايضاحات المطلوبة، هل تعني المطالبة بالحقوق ان يحصل الفلسطينيون على الجنسية الاسرائيلية؟ وفي هذه الحالة تكون القضية الفلسطينية بمجملها هي من مات ودفن وليس فقط حل الدولتين، ثم ما هو مصير السلطة الوطنية الفلسطينية، ومصير الفلسطينيين الموجودين خارج فلسطين؟ وإذا لم تكن فكرة الحقوق تصل الى حد منح الجنسية فهل يعني ذلك تكفل إسرائيل بمنح الفلسطينيين خدمات مساوية للإسرائيليين، وتبقى السلطة المرجعية السياسية لهم لكن دون أعباء؟.
والسؤال الأخير: هل إسرائيل القلقة والمتضايقة من وجود مليون ونصف المليون فلسطيني في الجليل يحملون الجنسية الإسرائيلية ويوصلون خمسة عشر عضوا في الكنيست من أصل 120 من الغباء بحيث تجنس سبعة ملايين ونصف فلسطيني ما يجعل توقع وصول شخص منهم الى رئاسة الدولة بعد عقدين أو ثلاثة ليس خيالاً.
باقي محاور المحاضرة التي تتناول انحسار أهمية النفط وبالتالي بقاء إسرائيل هي نقطة الاهتمام الوحيدة والدائمة لدى الإدارة الأميركية، تليها إيران في المدى المنظور، والجزم بانتهاء زمن المساعدات الخليجية للأردن وبالتالي ليس أمام الاردن سوى الاعتماد على الذات، فهي محاور تحتمل التأكيد والنفي في آن، لأنها تعتمد على التغييرات السياسية في دول المنطقة ومدى تأثر كل دولة بما يحدث في الدولة الاخرى.
اخيراً لا بد من التذكير والتأكيد أن قضية فلسطين هي قضية شعب صاحب أرض منذ الأبد وللأبد، وليست قضية سكان أو جالية كبيرة يجري البحث عن كيفية إعاشتها.
الرأيش